قوله تعالى : { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } :
في هذه الآية – على ما ذهب إليه جماعة من العلماء – جعل وكفالة {[9400]} . والآية تدل على جوازهما . فأما الجعل فقد اختلف في جوازه . وهو أن يجعل الرجل للرجل جعلا على عمل يعمله له إن أكمل العمل . فأجازه مالك وأصحابه ولم يجزه أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه {[9401]} والأصل في جوازه قوله تعالى : { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } وهذا جعل محض وإذا قلنا بجوازه فهل ذلك فيما {[9402]} للجاعل فيه منفعة خاصة أو فيما كان له فيه منفعة أو لم يكن ؟ فيه قولان في المذهب . والأصل في اشتراط المنفعة الآية لأنها إنما جاءت فيما كان {[9403]} فيه منفعة وهو رد الصواع . وإذا اشترطنا المنفعة فهل من شرطها أن لا يحصل منها شيء إلا بتمام المجعول فيه أم لا ؟ فالمشهور أن ذلك من شرطها وإلا لم يجز . فقد يتخرج {[9404]} في المذهب قول آخر بإسقاط ذلك الشرط . والأصل في القول الأول الآية لأن الجعل فيها إنما جاء فيما لا منفعة فيه إلا بتمامه . واختلف في ضرب الأجل في الجعل {[9405]} هل يجوز أم لا ؟ فالمشهور أنه لا يجوز . وقدم الجواز من قول ابن القاسم على ما تأول ابن أبي زيد {[9406]} والأصل في اطراح الأجل الآية لأنه تعالى قال : { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } فسمى الجعل ولم يقدر المدة .
وأما الكفالة فمنها كفالة بمال ، وكفالة بنفس . فأما الكفالة بالمال فلا اختلاف في جوازها وإنما اختلف في بعض شروطها . والأصل في جواز ذلك قوله تعالى : { وأنا به زعيم } أي كفيل . يعني بما ذكره من حمل بعير . وأما الكفالة بالنفس ففيها ثلاثة أقوال :
أحدها : إجازتها في المال والحدود والقصاص . وهو قول عثمان البتي {[9407]} .
والثاني : أن الكفالة بالنفس لا تجوز في شيء من ذلك وإلى نحو هذا ذهب الشافعي .
والثالث : أنها تجوز في المال ولا تجوز في الحدود وهو قول مالك وأصحابه . والأصل في الكفالة بالنفس قوله تعالى في هذه السورة : { لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم } [ يوسف : 66 ] فهذه كفالة بالنفس . وفيها عندي حجة لمن يجيز الكفالة بالنفس في غير المال لأن هذه الآية لم يتعرض فيها لذكر المال ، إلا أن الأدلة التي نازع بها من لم يجز الكفالة بالنفس في غير المال أصح وأظهر ، وليس هذا الكتاب بموضع بسطها {[9408]} .
وقال أبو الحسن : ظن ظانون أن قوله : { وأنا به زعيم } كفالة ، وليس ذلك كفالة إنسان عن إنسان وإنما كفل بذلك عن نفسه وضمنه نعم هو جعالة {[9409]} .