وقوله تعالى : { واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون ( 82 ) } :
أرادوا : واسأل أهل القرية وأهل العير ، فحذف . وقد اختلف الأصوليون هل هذا مجاز أم لا ؟ والجمهور منهم على أنه من المجاز ، وأنكر بعضهم أن يكون مجازا وأجاز أن ينطق الله تعالى القرية والعير لاتساع القدرة {[8]} . وذكر المفسرون أن القرية مصر {[9]} . وأما العير فهي الدواب التي يمتار عليها الطعام . ومعنى الآية الاستشهاد بأهل القرية وأهل العير ظاهرها عرفت عدالتهم أو لم تعرف ، وهو مذهب أبي حنيفة . فأما مذهب مالك فلا يستشهد إلا عدل لقوله تعالى : { ممن ترضون من الشهداء } [ البقرة : 282 ] ، وقوله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } [ الطلاق : 2 ] إلا أنه اختلف عندنا في أهل الرفقة يشهد بعضهم على بعض فيما يختصوا بمعاملات السفر من بيع وشراء ، أو قرض أو كراء أو قضاء ، وما يجري مجرى هذا ، هل يشترط فيهم معرفة العدالة أم لا ؟ وظاهر المذهب – وهو القياس – أنه لا يجوز أن يقبل إلا عدل لما قدمناه . وذهب ابن حبيب {[10]} ورواه عن مطرف وابن الماجشون إلى جواز قبول شهادتهم في ذلك إذا توسم فيه أي توسم فيهم الحاكم الحرية والإسلام وزاد الشيخ أبو إسحاق ، والمروءة والعدل . واحتج أبو إسحاق {[11]} لهذا القول بقوله تعالى : { واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون ( 82 ) } وهذا القول إنما هو فيما يختص بمعاملات السفر كما قدمنا . فأما بيع العقار والأموال التي لم تجر العادة ببيعها في السفر فلا تقبل فيه شهادة أهل الرفقة إذا لم تعرف عدالتهم بوجه .
وأما أهل موضع إذا لم يكن فيهم عدل {[12]} وبعدوا عن العدول {[13]} فهل تجوز شهادة بعضهم لبعض في الأموال أم لا ؟ فالذي عليه الجمهور في المذهب – ولا يعرف لمتقدم منهم {[14]} فيه {[15]} خلاف – أن شهادتهم لا تجوز لما قدمناه ، وهو ظاهر قول ابن حبيب في الواضحة ونقله الباجي . ورأيت قوما من المتأخرين يحكون عن شيوخهم أنهم كانوا يفتون بجواز الشهادة ممن ذكرناه ويعملونها للضرورة كشهادة أهل الرقة مع المتوسم . ورأيت بعضهم يحتج في ذلك بقوله تعالى : { واسأل القرية } .