قوله تعالى : { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ( 5 ) } إلى قوله : { ويخلق ما لا تعلمون } :
الأنعام : الإبل والبقر والغنم . والدفء : السخانة بالأكسية التي تعمل منها ونحوها . وقيل الدفء النسل {[9514]} وقال الحسن الدفء ما استدفئ به من أصوافها وأوبارها وأشعارها . واستدل به قوم على جواز الانتفاع بها في حالتي حياة الحيوان وموته . وقال بعضهم ليس هذا الاستدلال بصحيح لأن الله تعالى قرن {[9515]} ذلك مع الأكل من الأنعام . فقال : { ومنها تأكلون } فدل ذلك على إباحة هذه الثلاثة الأشياء بشرط الذكاة {[9516]} . والأثقال الأمتعة . وقيل المراد بها {[9517]} هنا الأجسام كقوله تعالى : { وأخرجت الأرض أثقالها ( 2 ) } [ الزلزلة : 2 ] أي أجساد بني آدم {[9518]} .
وقوله : { إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس . . . } الآية . إلى بلد توجبهم إليه بحسب اختلاف أغراض الناس . وقيل المراد مكة ، قاله ابن عباس وغيره {[9519]} . وفي الآية على هذا حض على الحج . وقد اختلف في ركوب البقر . وفي الآية دليل على جوازه لقوله تعالى : { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } [ النحل : 7 ] فعم الأنعام كلها . وأما الحمل عليها دون الركوب فلا أعرف في جوازه خلافا .
وقوله : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } [ النحل : 8 ] لا خلاف في جواز {[9520]} ركوب هذه ما لم تكن جلالة . واختلف في الجلالة منها هل يجوز ركوبها أم لا ؟ وعموم الآية دليل على جوازه . وكذلك اختلف في ركوب الجلالة من الإبل ، وعموم الآية أيضا دليل على جوازه . وتخصيصه تعالى الخيل والبغال والحمير بالركوب دليل على أنه لا يجوز أكلها ، وهذا الذي يسميه الأصوليون دليل الخطاب ، وبينهم في القول به خلاف وعلى ذلك اختلفوا في أكلها على ثلاثة أقوال : المنع والكراهة – والقولان في المذهب – والجواز ، وبالتحريم قال أصحاب أبي حنيفة ، واحتج بعضهم بالآية وزعم أن فيها دلالة على ذلك . وبالجواز قال أصحاب الشافعي وأنكروا دلالة الآية ، وقالوا إنما لم يذكر الله تعالى الأكل منها كما ذكره في الأنعام لأنها لا تعد لذلك عرفا وإنما تؤكل إذا أصابتها زمانة {[9521]} . واختلف في ركوب {[9522]} الإبل {[9523]} ، والجمهور على إباحته وحجتهم عموم الآية {[9524]} .