– قوله تعالى : { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك } إلى قوله تعالى : { لا يحل لك النساء من بعد } الآية :
اختلف في تأويلها . فذهب الضحاك وابن زيد إلى أن الله تعالى أحل له أن يتزوج كل امرأة يعطيها مهرها فأباح له كل النساء بهذا الوجه وأباح له ملك اليمين ثم أباح بنات العم والعمة والخال والخالة ممن هاجرن معه {[10333]} . وهذه المذكورات قد انطوى ذكرهن في قوله تعالى : { أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } إلا أنه تعالى خصصهن بعد أن عمهن بالذكر مع غيرهن تشريفا وتنزيها لهن {[10334]} تم أباح له تعالى الواهبات أنفسهن خاصة له . واختلف على هذا القول هل الآية محكمة أو منسوخة ؟ فذهب قوم إلى أنها محكمة ناسخة لقوله تعالى : { لا يحل لك النساء من بعد } {[10335]} [ الأحزاب : 52 ] وذهب قوم إلى أنها منسوخة بقوله تعالى : { لا يحل لك النساء من بعد } على القول بأن مقتضى هذه الآية القصر على من عنده من النساء . وذهب جماعة إلى أن الإشارة بالأزواج إلى من كان في ملكه صلى الله عليه وسلم وأنه تعالى مع ذلك أباح له ملك اليمين وأباح له مع المذكورات بنات عمه وعماته وخالاته وخاله ممن هاجر معه ، فلم يدخل هؤلاء على هذا القول في ذكر الأزواج . وأباح الواهبات خاصة له بالأمر على القول الأول أوسع على النبي صلى الله عليه وسلم . وعلى القول الثاني أضيق . ويؤيده ما قاله ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج أي النساء شاء وكان ذلك ، فشق على نسائه . فلما نزلت هذه الآية وحرم عليه بها النساء إلا من سمي سر نساؤه ذلك{[10336]} . وروي أن أم هانئ {[10337]} بنت أبي طالب أنها قالت : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه ، فعذرني ، ثم نزلت هذه الآية فحرمني عليه بأني لم أهاجر معه وإنما كنت من الطلقاء {[10338]} .
– قوله تعالى : { إن وهبت نفسها للنبي } :
هذه هي الموهوبة التي خص بها النبي صلى الله عليه وسلم . وقد اختلف هل وقع ذلك له صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ فذهب ابن عباس ومجاهد إلى أنه لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم امرأة إلا بعقد نكاح وبملك يمين ، وأما بالهبة فلم يكن عنده منهن أحد .
ويحتج من يذهب إلى هذا بقراءة الجمهور : { إن وهبت } بكسر الهمزة أي إن وقع فهو حلال . وذهب جماعة إلى أنه قد كان عنده ويحتجون بقراءة : { أن وهبت } بفتح الهمزة {[10339]} وفتحها إشارة إلى ما وقع من الواهبات قبل نزول الآية . واختلف الذين ذهبوا إلى وقوع الهبة في نفس الموهوبة من هي ؟ فقال ابن عباس – كما حكى الطبري عنه – هي ميمونة بنت الحارث {[10340]} . وقال علي بن الحسين {[10341]} هي أم شريك {[10342]} وقال الشعبي وغيره هي زينب بنت خزيمة أم المساكين {[10343]} وقال عروة إن خولة أم حكيم بنت الأوقص السلمية{[10344]} هي ممن وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم {[10345]} .
وقوله تعالى : { خالصة لك من دون المؤمنين } :
لا خلاف أن الموهوبة كانت خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا يجوز لغيره . إلا أنهم اختلفوا هل يجوز أن ينعقد النكاح على شروطه بلفظ الهبة أم لا ؟ فأجازه ابن القاسم دخل أو لم يدخل . وذكر ابن المواز عنه وعن عبد المالك أنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل ، وبه قال أبو حنيفة . وقال أشهب وابن وهب وابن عبد الحكم أنه يفسخ وإن دخلت ، وبه قال الشافعي {[10346]} . وذكر ابن المواز أنه لم يختلف مالك وأصحابه بأنه يفسخ قبل البناء {[10347]} وليس ذلك بصحيح فمن منعه فلوقوع اللفظ فاسدا إذ ذلك اللفظ لم يبحه الله تعالى إلا في جهة النبي صلى الله عليه وسلم فمن أجازه راعى المعنى .
وقوله تعالى : { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } :
قيل المراد بذلك نكاح أربع نسوة لا يتجاوز إلى أكثر {[10348]} والولي والصداق ، ويختلف في الشهود هل يدخلون في الفرض أم لا ؟ فمن أجاز عند النكاح بغير شهود إذا أعلن به – وهو مذهب مالك وغيره – لم يرهم داخلين في الفرض . ومن لم يجزه – وهو مذهب الشافعي وغيره – رآه داخلين في الفرض . وذهب بعض أهل النظر إلى أن الرجم الذي كان يقرأ في سورة الأحزاب داخل في هذه الآية .