– وقوله تعالى : { ترجي من تشاء منهن وتئوي إليك من تشاء } :
معناه أن الله تعالى فسح لنبيه صلى الله عليه وسلم فيما يفعله في جهة النساء . والضمير في { منهن } عائد على ما تقدم ذكره من الأصناف اللائي أحللن للنبي صلى الله عليه وسلم حسب الخلاف المذكور في ذلك . واختلف في معنى الإرجاء والإيواء المذكورين في الآية هاهنا{[10349]} . فقال مجاهد وقتادة والضحاك أن المعنى في القسم أن تقرب من شئت في القسمة لها من نفسك وتؤخر عنك من شئت وتكثر لمن شئت وتقل لمن شئت لا حرج عليك في ذلك . فإذا علمت هذا – وهذا حكم الله وقضاؤه – زالت الأنفة والبغضاء والتغاير عنهن ورضين وقرت أعينهن فكان صلى الله عليه وسلم يقسم لهن ما شاء . وهذا على القول بأن سبب هذه الآيات التغاير {[10350]} . وقال أبو زيد {[10351]} وابن عباس : المعنى في الطلاق أن يطلق من شاء ممن حصل في عصمته ويمسك من شاء . قال أبو رزين {[10352]} : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هم ببعض نسائه فقلن له : أقسم لنا ما شئت . وكان ممن أرجأ سودة وجويرية وصفية وأم حبيبة وميمونة . وآوى إليه عائشة وأم سلمة وحفصة وزينب . وقال ابن عباس أيضا : المعنى من مات من نسائك أو خليت سبيلها فلا إثم عليك أن تستبدل عوضها من اللائي أحللنا لك ، ولا يحل لك أن تزيد على عدة نسائك اللائي عندك شيئا . وقال الحسن {[10353]} المعنى في تزوج من شاء من النساء وترك من شاء . قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يتركها أو يتزوجها . وقال قوم : المعنى في ضم من شاء من الواهبات وتأخر من شاء . والآية كيفما تأولت ففيها توسعة على النبي صلى الله عليه وسلم . ؟ قال الشعبي : كان نساء قد وهبن أنفسهن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدخل ببعضهن وأرجأ ببعضهن ولم يقربهن حتى توفي ولم ينكحهن منهن أم شريك . فقالت عائشة : لما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم قلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك {[10354]} وذهب علي بن أبي طالب وغيره إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى : { لا يحل لك النساء من بعد } الآية . قال هبة الله {[10355]} : وليس في كتاب الله تعالى ناسخ لقوله : { لا يحل لك النساء } الآية إلا هذه الآية . وليس في كتاب الله تعالى ناسخ تقدم المنسوخ سوى هذا {[10356]} وهذا القول باطل من عدة أوجه {[10357]} .
وقوله تعالى : { ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك } :
يحتمل أن يريد من أردت ممن كنت عزلته وأخرته فلا جناح عليك في رده إلى نفسك . ويحتمل أن يريد : ومن ابتغيت ومن عزلت فذلك سواء لا جناح عليك في جميعه . وهذا المعنى يحتمل أن يكون من معنى القسم ويحتمل أن يكون من معنى{[10358]} الواهبات . وبكل قد قال قوم . ولم تختلف النقلة في أنه صلى الله عليه وسلم عدل في القسمة بين أزواجه حتى مات ولم يمتثل معهن ما أبيح له أخذا منه صلى الله عليه وسلم بأفضل الأخلاق من غير أن سودة وهبت يومها لعائشة تفهما {[10359]} لمسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .