58 ، قوله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } الآية ، إلى قوله : { ذلك خير وأحسن تأويلا } :
اختلف في المخاطب بالآية ، فقال ابن عباس وغيره ، هي عامة في كل مؤتمن على شيء ، وقال علي بن أبي طالب وغيره : هي خطاب لولاة المسلمين أمروا بأداء الأمانة لمن ولوا عليه ، وهذا اختيار الطبري . وقال ابن عباس : الآية في الولاة ، أمروا أن يعضلوا النساء في النشوز ونحوه ، ويردوهن إلى أزواجهن . وقال ابن جريج وغيره : ذلك خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم{[4294]} خاصة ، أمر{[4295]} أن يرد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن أبي طلحة حين أخذه منه ، واختلف في الحربي يدخل إلينا بأمان ، فيودع وديعة ثم يقتل في دار الحرب ، أو يموت عندنا ، أو يقتل . فقال أبو حنيفة : لا يرد ما ترك عندنا ، من مال أو وديعة إلى أهله ، وهي غنيمة . وقال مالك{[4296]} : يرد ماله وودائعه إلى أهله . وقال الشافعي بقوليهما{[4297]} . والأظهر{[4298]} قول مالك{[4299]} لعموم قوله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } {[4300]} . واختلف أبو حنيفة والشافعي في المسلم يدخل دار الحرب بأمان فيداينه الحربي دينا ، ثم يخرج الحربي مستأمنا ، فقال أبو حنيفة : لا يقضى له على المسلم بدينه ، وكذلك عنده لو كان المسلم قد أدان الحربي هما سواء ولا يقضى على الحربي .
وفي قول الشافعي : يقضى بالمال في الوجهين جميعا ، وهو ظاهر مذهب مالك ، وهذا هو الأظهر ؛ لأن الدين من نوع الأمانات أيضا .
واختلف في الأسير إذا ائتمنه الحربي على شيء هل يجوز أن يخونه أم لا ؟ والأظهر منع ذلك ؛ لعموم الآية من هذا مسألة الذي يودعه الرجل مالا وقد كان جحده{[4301]} قبل ذلك مالا . هل لهذا الآخر أن يجحده كما جحده أم لا ؟ وقد تقدمت المسألة مستوفاة .
قوله تعالى : { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } :
ظاهر الآية جواز حكم الحاكم بين جميع الناس لبعيد على قريب ولقريب على بعيد ؛ إذ حكم بالعدل . وعندنا في حكم الحاكم لمن لا تجوز شهادته له{[4302]} قولان : الإجازة والمنع ، وحجّة القول بالجواز عموم{[4303]} الآية .