وقوله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } :
هذه الآية نزلت على سبب وهو أن قوما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : أنأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل الله . فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله تعالى : { إنكم لمشركون } . ذكره الترمذي{[8132]} في رواية ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم . والحديث مرسل فيحتمل أن تقصر الآية على سببها فيقتضي تحريم الميتة خاصة وذكر السبب في تحريمها وهو ترك ذكر اسم الله فتكون الآية محكمة باتفاق{[8133]} . ويحتمل أن يحمل على العموم في كل ما لم يذكر اسم الله عليه فيدخل تحت ذلك سواء الميتة من ذبائح{[8134]} أهل الكتاب إذا لم يذكروا اسم الله عليها وإذا ذكروا عليها غير اسم الله . وذبائح المسلمين إذا لم يذكروا اسم الله عليها نسيانا أو عمدا ومن الناس من قصر الآية على ذبائح أهل الكتاب . وقيل هي منسوخة بقوله تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } [ المائدة : 5 ] . ومنهم من حملها على من ترك التسمية من المسلمين{[8135]} .
وهذان القولان مخصصان بالآية بغير دليل . ووجه القول فيها أن يقال{[8136]} هي عامة لكل ما لم يذكر اسم الله عليه أو{[8137]} يقال هي خاصة في الميتة . إلا أن العلة في تحرم الميتة مذكور في الآية وهو أنها لم يذكر اسم الله عليها فيلحق به{[8138]} كل ما لم يذكر اسم الله عليه كانت ذبيحة مسلم أو كتابي . وأما ما ذكر عليه أهل الكتاب غير اسم الله وذبحوه لكنائسهم أو لنبي من أنبيائهم فقد جمع أنهم لم يذكروا اسم الله عليه فهو منهي عنه بالعموم وأنهم إن{[8139]} ذكروا عليه غير اسم الله فيكون منهي عنه من باب أولى وأحرى أن/ يكون منهيا عنه{[8140]} مما لم يذكر عليه شيء جملة . لكن الذين قالوا هذا ورأوا ذبيحة الكتابي إذا لم يذكر اسم الله داخلة تحت النهي اختلفوا في ذلك . فمنهم من أجاز أكل هذه الذبيحة ومنهم من منع . فمن أجاز فالآية عنده مخصوصة بقوله تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } [ المائدة : 5 ] ومنهم من عبر عن هذا بأنه نسخ ومنهم من قال أن {[8141]} الآية في ترك{[8142]} التسمية على الذبيحة عمدا . قال بعضهم أو نسيانا فلا يكون في الآية على هذا تعرض لذبائح أهل الكتاب . ومما يؤكد ترك ذبائحهم التي ذكروا عليها غير{[8143]} اسم الله تعالى قوله تعالى : { وما أهل به لغير الله } [ البقرة : 173 ] وقد مر الكلام عليه . ولأجل ما قدمنا في ما تحتمله الآية اختلف في تارك التسمية على الذبيحة هل يحل له أكلها . فمنهم من قال الآية محكمة وهي{[8144]} في تارك التسمية على الذبيحة{[8145]} فلا تؤكل ذبيحته تركها عمدا أو نسيانا وهو قول الحسن{[8146]} وابن سيرين{[8147]} والشعبي{[8148]} . ومنهم من قال الآية ليس لها تعلق بتارك التسمية وترك التسمية لا يؤثر . ومنهم من قال هي في تارك التسمية عمدا لا نسيانا وأن ذبيحة الناسي تؤكل . وحكى بعضهم الإجماع على الناسي وهو غير صحيح . وقد احتج بعضهم على أن الناسي غير مراد بالآية بقوله تعالى فيها { وإنه لفسق } وبقوله بعد ذلك { إنكم لمشركون } قال وقد علمنا أن تارك التسمية نسيانا لا يوصف بأنه فاسق أو مشرك وقد مر الكلام على مذاهب الفقهاء في ذلك وقال بعضهم معنى التسمية في هذه الآية عند أكثر المفسرين النية لأن المجوس {[8149]} لو سموا على ذبائحهم لم تؤكل{[8150]} .