قوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه } :
السبب فيها أن أبا جهل {[8413]} سمع بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ {[8414]} ويذكر الله تعالى في قراءته ومرة يذكر الرحمان ونحو ذلك فقال : محمد يزعم أن إلهه واحد وهو إنما يعبد آلهة كثيرة . فنزلت هذه الآية {[8415]} والأسماء هنا بمعنى المسميات بلا خلاف ، ووصف تعالى أسماءه بالحسنى ومعناه الحسنة فيحتمل أن يريد بالحسنة ما أطلقه الشرع عليه خاصة ، ويحتمل أن يريد ما يحسن أن يسمى به جاء به شرع أو لم يجئ . وبحسب هذا اختلف العلماء فيه . فذهب الجمهور إلى أنه لا يسمى إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمعت {[8416]} الأمة عليه . قال الشيخ أبو الحسن الأشعري{[8417]} : أو على معناه وأما ما لم يكن فيه شيء من ذلك فلا يجوز عند هؤلاء أن يسمى به . وذهب قوم إلى أنه ما لم يستحل أن يكون من أوصافه تعالى ولم يرد به منع في الشريعة فجائز أن يطلق عليه كما يطلق عليه {[8418]} ما أذن الشرع فيه وهو قول أبي بكر الباقلاني {[8419]} . قال بعضهم والحجة للقول الأول قوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى } فأثبت كون أسماءه {[8420]} حسنى ولا حسن إلا ما ورد الشرع به . والآية محتملة كما قدمناه فلا وجه ينفي الاحتمال عنها . وبين متأخري الأصوليين الذين لا يطلقون على الله تعالى من الأسماء {[8421]} إلا ما أطلقه الشرع . واختلفوا في ما ورد من طريق الآحاد من أسماء الله عز وجل عن النبي صلى الله عليه وسلم هل يطلق عليه أم لا . والذي اختاره الحذاق إطلاقه وهو الصحيح ، لأنا إذا جعلنا خبر الواحد شرعا يجب قبوله وهو الذي عليه الجمهور فيجوز إطلاقه لأنه مما ورد به الشرع وقد قال تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } وهذا من الأسماء الحسنى فيجوز إطلاقه . واختلف في ما جاء في القرآن أيضا من نسبة أفعال إلى الله تعالى مثل قوله تعالى : { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } [ آل عمران : 54 ] ونحو ذلك هل يجوز أن يشتق منها اسم فاعل لله تعالى أم لا . فذهب الجمهور إلى أنه لا يتعدى ذلك ولا يسمى إلا بما سمى الله تعالى به نفسه وهو لم يسم نفسه بذلك وكذا يقول الباقلاني فيما يستحيل من صفته {[8422]} من ذلك أنه لا يجوز أن يطلق عليه لقوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى } وما يستحيل في صفته فليست من الحسنى {[8423]} . وذهب قوم إلى جواز إطلاق ذلك مقيدا بسببه . فيقال الله مستهزئ بالكافرين وماكر بالماكرين . وأما إطلاق ذلك دون تقييد فممنوع باتفاق وكان هؤلاء لما رأوا في {[8424]} كلام العرب أن الفعل إذا نسب إلى أحد فاسم الفاعل منه مضمون قياسا مطردا في كلامهم ورأوا {[8425]} أن هذا لم ينسبه تعالى إلى نفسه إلا وقد أباح أن يستعمل منه اسم الفاعل في الشيء الذي ذكره . وقوله تعال : { ولله الأسماء الحسنى } ليس يقتضي انحصار أسماء الله تعالى إلى عدد بل إطلاقه كذلك يقتضي أنها غير محصورة . وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة " {[8426]} . وفي حديث آخر : " لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر " {[8427]} . واختلف في هذا الحصر ، فذهب قوم إلى أنه لا اسم {[8428]} لله تعالى أكثر مما جاء في هذا الحديث إذ لو كان له غيرها لم يكن لتخصيصه هذا العدد فائدة ، وحملوا قوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى } أن المراد بها تلك الأسماء وخرجها كلها بعضهم من القرآن ولم يسلم له بعضهم ذلك وذهب آخرون {[8429]} إلى أن أسماء الله تعالى لا تنحصر {[8430]} في عدد واختلفوا في توجيه{[8431]} الحديث . فقال بعضهم معنى الحديث أن الأسماء التي شرع الدعاء بها هي التسعة والتسعون وأما غيرها فلم يشرع بها دعاء ، قالوا لأن الحديث مبني على قوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } وهو قول أبي الحسن الأشعري وجماعة من أهل العلم {[8432]} . وقال ابن الطيب {[8433]} ليس بالحديث دليل على أن ليس {[8434]} لله تعالى أكثر من تسعة وتسعين اسما على وجه التعظيم لله تعالى {[8435]} لكن ظاهر الحديث يقتضي أن من أحصى تلك التسعة والتسعين اسما على وجه التعظيم لله تعالى دخل الجنة وإن كانت له أسماء أخرى {[8436]} وتكون الآية على هذا القول على عمومها أعني قوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى } وقوله تعالى : { فادعوه بها } أمر معناه الإباحة .
وقوله : { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } :
اختلف فيه هل هو منسوخ أو محكم . فقال ابن زيد معناه اتركوهم ولا تحاجوهم ولا تعرضوا لهم ، فالآية منسوخة بالقتال . وقيل الآية على وجه الوعيد والتهديد كقوله : { ذرني ومن خلقت وحيدا ( 11 ) } وقوله تعالى : { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا } [ الحجر : 3 ] فهي محكمة{[8437]} .