/م68
وفي الآية المباركة جملة تعبيرات تستدعي التوقف والدقّة:
1ما هو «الوحي »
«الوحي »: في الأصل ( كما يقول الراغب في مفرداته ) بمعنى الإِشارة السريعة ،ثمّ بمعنى الإلقاء الخفي .
وقد جاءت كلمة «الوحي » في القرآن الكريم لترمز إلى عدّة أشياء ،ولكنّها بالنتيجة تعود لذلك المعنى ،منها:
وحي النّبوة: حيث نلاحظ وروده في القرآن بهذا المعنى كثيراً .كما في الآية ( 51 ) من سورة الشورى: ( وما كان لبشر أن يكلّمه اللّه إلاّ وحياً ...) .
ومنها: الوحي بمعنى «الإِلهام » ،سواء كان الملُهَم منتبهاً لذلك ( كما في الإِنسان ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإِذا خفت عليه فألقيه في اليم ){[2097]} ،أو مع عدم انتباه المُلهم ،كالإِلهام الغريزي ( كما في النحل ) ،وهو ما ورد في الآية مورد البحث .
ومن المعروف أنّ الوحي في هذا المورد يعني الأمر الغريزي والباعث الباطني الذي أودعه اللّه في الكائنات الحيّة .
ومنها: أنّ الوحي بمعنى الإِشارة ،كما ورد في قصّة زكريا في الآية ( 11 ) من سورة مريم: ( فأوحى إِليهم أن سبحوا بكرة وعشياً ) .
ومنها أيضاً: إِيصال الرسالة بشكل خفي ،كما في الآية ( 112 ) من سورة الأنعام: ( يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ) .
2هل يختص الإِلهام الغريزي بالنحل ؟
وإِذا كان وجود الغرائز ،( الإِلهام الغريزي ) ،غير منحصر بالنحل دون جميع الحيوانات ،فلماذا ورد ذكره في الآية في النحل خاصّة ؟
والإِجابة على السؤال تتّضح من خلال المقدمة التالية: إِنّ الدراسة الدقيقة التي قام بها العلماء بخصوص حياة النحل ،قد أثبتت أنّ هذه الحشرة العجيبة لها من التمدن والحياة الاجتماعية المدهشة ما يشبه لحد كبير الجانب التمدني عند الإِنسان وحياته الاجتماعية ،من عدّة جهات .
وقد توصل العلماء اليوم لاكتشاف الكثير من أسرار حياة هذه الحشرة ،والتي أوصلتهم بقناعة تامة إلى توحيد الخالق والإِذعان لربوبيته سبحانه وتعالى .
وأشار القرآن الكريم إلى ذلك الإِعجاز بكلمة «الوحي » ؛ليبيّن أنّ حياة النحل لا تقاس بحياة الأنعام ،وليدفعنا للتعمق في عالم أسرار هذه الحشرة العجيبة ،ولنتعرف من خلالها على عظمة وقدرة خالقها ،ولعل «الوحي » هو التعبير الرمزي الذي اختصت به هذه الآية نسبة إلى الآيات السابقة .
3المهمّة الأُولى في حياة النحل:
وأوّل مهمّة أمر بها النحل في هذه الآية هي: بناء البيت ،ولعل ذلك إِشارة إلى أن اتّخاذ المسكن المناسب بمثابة الشرط الأوّل للحياة ،ومن ثمّ القيام ببقية الفعاليات ،أو لعله إِشارة إلى ما في بيوت النحل من دقة ومتانة ،حيث إن بناء البيوت الشمعية والسداسية الأضلاع ،والتي كانت منذ ملايين السنين ،وفي أماكن متعددة ومختلفة ،قد يكون أعجب حتى من عملية صنع العسل{[2098]} .
فكيف تضع هذه المادة الشمعية الخاصة ؟وكيف تبني الخلايا السداسية بتلك الهندسة الدقيقة ؟وبيوت النحل ذات هيئة وأبعاد محسوبة بدقة فائقة ،وذات زوايا متساوية تماماً ،ومواصفاتها تخلو من أية زيادة أو نقصان ..
فقد اقتضت الحكمة الربانية من جعل بيوت النحل في أفضل صورة وأحسن اختيار وأحكم طبيعة ،وسبحان اللّه خالق كل شيء .
4أين مكان النحل:
وقد عيّنت الآية المباركة مكان بناء الخلايا في الجبال ،وبين الصخور وانعطافاتها المناسبة ،وبين أغصان الأشجار ،وأحياناً في البيوت التي يصنعها لها الإِنسان .
ويستفاد من تعبير الآية أن خلايا النحل يجب أن تكون في نقطة مرتفعة من الجبل أو الشجرة أو البيوت الصناعية ؛ليستفاد منها بشكل أحسن .