ولما بين تعالى أن إخراج الألبان من النعم ،وإخراج السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب ،دلائل قاهرة وبينات باهرة ،على أن لهذا العالم إلها واحدا قادرا مختارا حكماأرشد إلى آيته الساطعة في النحل أيضا ،بقوله سبحانه:
/ [ 68]{ وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون 68} .
{ وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون} ،المراد من الوحي:الإلهام ،والهداية إلى بنائها تلك البيوت العجيبة المسدسة ،من أضلاع متساوية لا يزيد بعضها على بعض ،مما لا يمكن مثله للبشر إلا بأدوات وآلات ،وقد أرشدها تعالى إلى بنائها بيوتا تأوي إليها في ثلاثة أمكنة:الجبال ،والشجر ،وبيوت الناس ،حيث يعرشون ،أي:يبنون العروش ،جمع ( عرش ):وهو البيت الذي يستظل به كالعريش .وليس للنحل بيت في غير هذه الأمكنة:الجبال والشجر وبيوت الناس .وأكثر بيوتها ما كان في الجبال ،وهو المتقدم في الآية ،ثم في الشجر دون ذلك ،ثم في الثالث أقل .
فالنحل إذا نوعان:جبلية تسكن في الجبال والفيافي لا يتعهدها أحد من الناس .وأهلية تأوي إلى البيوت وتتعهد في الخلايا .ومن بديع الإلهام فيها اتخاذها البيوت قبل المرعى .فهي تتخذها أولا .فإذا استقر لها بيت خرجت منه ،فرعت .وأكلت من الثمرات .ثم أوت إلى بيوتها .وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله:{ ثم كلي من كل الثمرات} .