/م22
بعد تبيان هذا الأصل التوحيدي ،تشير الآيات إلى واحدة مِن أهم توجيهات الأنبياء( عليهم السلام ) للإِنسان ،فالآيةبعد أن تؤكد مرّة أُخرى على التوحيدتقول: ( وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إِلاّ إِيّاه وبالوالدين إِحساناً ) .
كلمة «قضاء » لها مفهوم توكيدي أكثر مِن كلمة «أمر » وهي تعني القرار والأمر المحكم الذي لا نقاش فيه .وهذا أوّل تأكيد في هذه القضية .أما التأكيد الثّاني الذي يدل على أهمية هذا القانون الإِسلامي ،فهو ربط التوحيد الذي يعتبر أهم أصل إِسلامي ،مع الإِحسان إلى الوالدين .
أمّا التأكيدان الثّالث والرّابع فهما يتمثلان في معنى الإِطلاق الذي تفيده كلمة «إِحسان » والتي تشمل كل أنواع الإِحسان .وكذلك معنى الإِطلاق الذي تفيده كلمة «والدين » إِذ هي تشمل الأم والأب ،سواء كانا مُسلِمَينْ أو كافِرَيْن .
أمّا التأكيد الخامس فهو يتمثل بمجيء كلمة «إِحساناً » نكرة لتأكيد أهميتها وعظمتها{[2193]} .
ومِن الضروري الإِنتباه إلى هذه الملاحظة ؛وهي أنَّ الأمر عادةً ما ينصبّ على الأُمور الإِيجابية ،بينما جاءَ هنا في مفاد السلب والنفي ( وقضى ...ألا تعبدوا ...) فما هو يا ترى سبب ذلك ؟
من الممكن أن نقول: إِنَّ جملة ( وقضى ...) تتضمن تقديراً جملة إِيجابية ،يمكن أن نقدرها بالقول: وقضى ربّك أن تعبده ،ولا تعبد أي شيء سواه .أو من الممكن أن تكون جملة ( ألا تعبد إِلاّ إِياه ) التي تتضمن «النفي والإِثبات » جملة إِيجابية واحدة ،إِذ هي تحصر العبادة باللّه دون غيره ثمّ تنتقل إلى أحد مصاديق هذه العبادة متمثلا بالإِحسان إلى الوالدين فتقول: ( إِمّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ) بحيث يحتاجان إلى الرعاية والاهتمام الدائم .فلا تبخل عليها بأي شكل من إِشكال المحبّة واللطف ولا تؤذيهما أو تجرح عواطفهما بأقل إِهانة حتى بكلمة «اُف »: ( فلا تقل لهما أف ولا تنهر هما ){[2194]} بل: ( وقل لهما قولا كريماً ) وكن أمامهما في غاية التواضع ( وأخفض لهما جناح الذل مِن الرحمة ،وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيراً ) .
الأهمية الاستثنائية لاحترام الوالدين:
إِنَّ الآيتين السابقتين توضحان جانباً من التعامل الأخلاقي الدقيق ،والاحترام الذي ينبغي أن يؤدّيه الأبناء للوالدين:
1من جانب أشارت الآية إلى فترة الشيخوخة ،وحاجة الوالدين في هذه الفترة إلى المحبّة والاحترام أكثر مِن أي فترة سابقة ،إِذ الآية تقول: ( إِمّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ) .مِن الممكن أن يصل الوالدان إلى مرحلة يكونان فيها غير قادرين على الحركة دون مساعدة الآخرين ،وقد لا يستطيعون بسبب الكهولة رفع الخبائث عنهم ،وهنا يبدأ الاختبار العظيم للأبناء ،فهل يعتبرون وجود مِثل هذين الوالدين دليل الرحمة ،أو أنّهم يحسبون ذلك بلاءاً ومصيبةً وعذاباً ..هل عندهم الصبر الكافي لاحترام مثل هؤلاء الآباء والأمهات ؛أم أنّهم يوجهون الإِهانات ويسيئون الأدب لهم ؛ويتمنون موتهم ؟!
2مِن جانب آخر ..تقول الآية: ( فلا تقل لهما أف ) بمعنى لا تظهر عدم ارتياحك أو تنفرك مِنهم ( ولا تنهرهما ) ثمّ تؤكّد مرّة أُخرى على ضرورة التحدّث معهم بالقول الكريم ،إِذ اللسان مفتاح إلى القلب ( وقل لهما قولا كريماً ) .
/خ25