لقد كان عمل ذي القرنين عظيماً ومهماً ،وكانَ لهُ وفقاً لمنطق المستكبرين ونهجهم أن يتباهى بهِ أو يمنّ به ،إِلاَّ أنَّهُ قال بأدب كامل: ( قال هذا رحمة مِن ربّي )لأنَّ أخلاقهُ كانت أخلاقاً إِلهية .
إِنَّهُ أراد أن يقول: إِذا كنت أملك العلم والمعرفة وأستطيع بواسطتهما أن أخطو خطوات مهمّة ،فإِنَّ كل ذلك إِنما كانَ مِن قبل الخالق جلَّ وعلا ،وإِذا كُنت أملك قابلية الكلام والحديث المؤثِّر فذلك أيضاً مِن الخالق جلَّ وعلا .
وإِذا كانت مثل هذه الوسائل والأفكار في اختياري فإِنَّ ذلك مِن بركة الله ورحمته الخالق الواسعة .
أراد ذو القرنين أن يقول: إِنّني لا أملك شيئاً مِن عندي كي أفتخر به ،ولم أعمل عملا مهماً كي أَمُنّ على عباد الله .
ثمّ استطرد قائلا: لا تظنوا أنَّ هذا السد سيكون أبدياً وخالداً: ( فإِذا جاء وعد ربّي جعلهُ دكاء ) .
( وكان وعد ربّي حقّاً ) .
لقد أشار ذو القرنين في كلامه هذا إلى قضية فناء الدنيا وتحطِّم هيكل نظام الوجود فيها عند البعث .
لكن بعض المفسّرين اعتبر الوعد الإِلهي إشارة إلى التقدم العلمي للبشر والذي بواسطته لا يبقى معنىً لسد غير قابل للاختراق والعبور ،فالطائرات وما شابهها تستطيع أن تعبر جميع هذه الموانع .ولكن هذا التّفسير بعيد حسب الظاهر .
/خ98