غير أنّه بالرغم من كل هذه التأكيدات التي أكّد عليها المسيح( عليه السلام ) في مجال التوحيد وعبادة الله ،فقد اختلفت الفئات ،وأظهروا اعتقادات مختلفة ،وخاصّة في شأن المسيح ( فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ) .
إِنّ تاريخ المسيحية يشهد بوضوح على مدى الاختلاف الذي حصل بعد المسيح( عليه السلام ) في شأنه ،وحول مسألة التوحيد ،هذه الاختلافات التي ازدادت حدتها ،فشكل «قسطنطين » إِمبراطور الروم مجمعاً للأساقفةعلماء النصارى الكباروكان واحداً من المجامع التأريخية المعروفة ،ووصل عدد أعضاء هذا المجمع إلى ألفين ومائة وسبعين عضواً ،وعندما طرحت مسألة المسيح للبحث أظهر العلماء الحاضرون وجهات نظر مختلفة تماماً ،وكان لكل مجموعة عقيدتها .
فذهب البعض: إنّ المسيح هو الله الذي نزل إلى الأرض !فأحيى جماعة ،وأمات أُخرى ،ثمّ صعد إلى السماء !
وقال البعض الآخر: إِنّه ابن الله !
ورأى آخرون: إِنّه أحد الأقانيم الثلاثةالذوات الثلاثة المقدسةالأب والابن وروح القدس ،الله الأب ،والله الابن وروح القدس .
وآخرون قالوا: إِنّه ثالث ثلاثة: فالله معبود ،وهو معبود ،وأُمّه معبودة !
وأخيراً قال البعض: إِنّه عبد الله ورسوله .
وقال آخرون أقوالا أُخرى ،ولم تتفق الآراء على أي من هذه العقائد ،وكان أكبر عدد من الأصوات حازت عليه عقيدة من العقائد المذكورة آنفاً هو ( 308 ) فرد ،وقبله الإِمبراطور كرأي حصل على أكثرية نسبية ،ودافع عنه باعتباره الدين الرسمي ،وطرح الباقي جانباً ،أمّا عقيدة التوحيد فقد بقيت في الأقلية لقلّة ناصريها مع الأسف{[2358]} .
ولما كان الانحراف عن أصل التوحيد يعتبر أكبر انحراف للمسيحيين ،فقد رأينا كيف أن الله قد هدد هؤلاء في ذيل الآية بأنّهم سيكون لهم مصير مؤلم مشؤوم في يوم القيامة ،في ذلك المشهد العام ،وأمام محكمة الله العادلة{[2359]} .