المفردات:
الأحزاب: فرق النصارى الثلاث .
مشهد: شهود وحضور .
يوم عظيم: يوم القيامة .
التفسير:
37-{فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم} .
أي: اختلفت الفرق من أهل الكتاب في شأن عيسى ؛وصاروا أحزابا متفرقين ،فمنهم: من يزعم: أنه ابن الله ،ومنهم: من يزعم: أنه ابن زنى .
ولقد جمع الإمبراطور الروماني قسطنطين مجمعا من الأساقفة- وهو أحد المجامع الثلاثة الشهيرة- بلغ عدد أعضاءه ألفين ومائة وسبعين أسقفا ،فاختلفوا في شأن عيسى اختلافا شديدا ،وقالت كل فرقة فيه قولا .
قال بعضهم: هو الله هبط إلى أرض فأحيا من أحيا وأمات من أمات ثم صعد إلى السماء ،وقال بعضهم: هو ابن الله .
وقال بعضهم: هو أحد الأقانيم الثلاثة: الأب والابن وروح القدس .
وقال بعضهم: هو ثالث ثلاثة: الله إله ،وعيسى إله ،وأمه إله ،.
وقال بعضهم: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته .
وقالت فرق أخرى أقوالا أخرى ،ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية اتفقوا على قول ،فمال إليه الإمبراطور ونصر أصحابه وطرد الآخرين ،وشرد المعارضة وبخاصة الموحدين .
وقد سمي أتباع الملك قسطنطين الملكانية ،وقد ابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها ،بلاد الشام والجزيرة والروم ،فكان مبلغ الكنائس في أيامه ما يقارب اثني عشر ألف كنيسةviii .
ونلاحظ أنه قبل الفتح الإسلامي لمصر ،كان في مصر مذهبان منتشران بين أقباط مصر:
المذهب الملكاني: ويذهب إلى أن الابن مفصول من الأب قبل كل الأزمنة والدهور وهو جوهره ونوره اتحد بالإنسان المأخوذ من مريم .
والمذهب اليعقوبي: نسبه إلى عالم قبطي يسمى: يعقوب ،يرى أن اللاهوت حل في الناسوت ،أي: أن المسيح إنسان حلت فيه روح إله .وكان المذهب اليعقوبي منتشرا بين أبناء الشعب المصري ،وكان زعماء اليعاقبة مجاهدون غاضبون على المذهب الملكاني ،الذي تحبذه روما ؛ولذلك فإن الشعب القبطي قد استقبل الفتح الإسلامي لمصر استقبالا حسنا ،وأمد الفاتحين المسلمين بالعلف والمئونة والمساعدة ؛ليتخلص الشعب من ظلم الرومان وتعسفهم .
وكانت مصر تعتبر مزرعة للقمح تورده إلى روما ،وكانت روما تجبي الضرائب ،وتفرض المذهب الملكاني ،وتجني ثمار القمح ؛مما جعل الأقباط راغبين في التخلص من جور الرومان وظلمهم ،كما أن تصور اليعاقبة لطبيعة المسيح كان أقرب إلى التصور الإسلامي ،من المذهب الملكاني الرومانيix .
{فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم} .
أي: فعذاب شديد للكافرين من شهود ذلك اليوم ؛وهو يوم القيامة ،الذي يشهده الثقلان وغيرهما من مخلوقات الله .