ومع الالتفات إلى أنّ موسى( عليه السلام ) سيتحمل مسؤولية عظيمة وثقيلة ..فينبغي أن تكون عنده معاجز عظيمة من قبل الله تعإلى مناسبة لمقامه النبوي ،وقد أشارت الآيات إلى قسمين مهمين من هذه المعاجز:
الأُولى قوله تعإلى: ( وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنّها جان ولّى مدبراً ولم يعقب ) .
ويوم اختار موسى( عليه السلام ) هذه العصا ليتوكأ عليها للاستراحة ،ويهشُّ بها على غنمه ،ويرمي لها بهذه العصا أوراق الأشجار ،لم يكن يعتقد أنّ في داخلها هذه القدرة العظيمة المودعة من قبل الله .وأن هذه العصا البسيطة ستهز قصور الظالمين ،وهكذا هي موجودات العالم ،نتصور أنّها لا شيء ،لكن لها استعدادات عظيمة مودعة في داخلها بأمر الله تتجلى لنا متى شاء .
في هذه الحال سمع موسى( عليه السلام ) مرّة أُخرى النداء من الشجرة ( أقبل ولا تخف إنّك من الآمنين ) .
«الجانّ » في الأصل معناه الموجود غير المرئي ،كما يطلق على الحيات الصغار اسم ( جان ) أيضاً ؛لأنّها تعبر بين الأعشاب والأحجار بصورة غير مرئية ..كما عبر في بعض الآيات عن العصا ب ( ثعبان مبين ){[3059]} .
وقد قلنا سابقاً: إنّ هذا التفاوت في التعابير ربّما لبيان الحالات المختلفة لتلك الحية ..التي كانت في البداية حية صغيرة ،ثمّ ظهرت كأنّها ثعبان مبين .
كما ويحتمل أن موسى( عليه السلام ) رآها في الوادي بصورة حية ،ثمّ في المرات الأُخرى بدأت تظهر بشكل مهول ( ثعبان مبين )
وعلى كل حال ،كان على موسى( عليه السلام ) أن يعرف هذه الحقيقة ،وهي أنّه لا ينبغي له الخوف في الحضرة الإلهية ؛لأنّ الأمن المطلق حاكم هناك ،فلا مجال للخوف إذاً .