أمّا في الآية التالية فإشارة إلى الذريعة الثّالثة إذ تقول: ( ويستعجلونك بالعذاب ) إذ يقولون: لو كان عذاب الله حقاً على الكافرين فلم لا يأتينا !؟
فيجيب القرآن على هذه الذريعة بثلاثة أجوبة .
الأوّل: ( ولولا أجل مسمّى لجاءهم العذاب ) .
وهذا الزمان المعين «الأجل » إنّما هو لهدف أصلي ،للإرعواء عن باطلهم وتيقظهم ،أو إتمام الحجة عليهم ،فالله لا يستعجل أبداً في أمره ،لأنّ العجلة خلاف حكمته .
والثّانى: إن أُولئك الذين يتذرعون بهذا القول ما يدريهم لعل العذاب يأخذهم على حين غرة من أنفسهم ( وليأتينهم بغتةً وهم لا يشعرون ){[3183]} .
وبالرغم من أن موعد العذابفي الواقعمعين ومقرّر إلاّ أن المصلحة تقتضي ألاّ يطّلعوا عليه ،وأن يأتيهم دون مقدمات ،لأنّه لو عرف وقته لكان باعثاً على تجرؤ الكفار والمذنبين وجسارتهم ..وكانوا يواصلون الذنب والكفر إلى آخر لحظة ..وحين يأزف الوعد بالعذاب فإنهم سيتجهون بالتوبةجميعاًإلى الله وينيبون إليه .
والحكمة التربوية لمثل هذا العقاب تقتضي أن يكتم موعده ،لتكون كل لحظة ذات أثر بنفسها ،ويكون الخوف والإستيحاش منها عاملا على الردع ،ويتّضح ممّا قلناهضمناًأنّ المراد من جملة ( وهم لا يشعرون ) لا تعني أنّهم لا يدركون أصل وجود العذاب .وإلاّ فإنّ فلسفة العذاب والحكمة منه لا يكون لها أثر ،بل المراد أنّهم لا يعرفون اللحظة التي ينزل فيها العذاب ولا مقدماته ،وبتعبير آخر: إنّ العذاب ينزل عليهم كالصاعقة وهم غافلون .
ويظهر من آيات متعددة من القرآن أن التذرع بالحجج الواهية لم يكن منحصراً بأهل مكّة ،بل كثير من الأمم السابقين يلتجئون إلى مثل هذه الذريعة ،ويصرون على تعجيل العقوبة والعذاب !.
/خ55