وفي الآية الثانية تؤكد على لسان السيد المسيح ( عليه السلام ) عبودية المسيح لرفع كلّ إبهام وريب قد ينشأ من كيفية ولادته التي قد يتشبث بها البعض لإثبات ألوهيته وتقول: ( إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) يتّضح من هذه الآية ومن آيات أخرى أنّ السيّد المسيح ،لكي يزيل كلّ إبهام وخطأ فيما يتعلّق بولادته الخارقة للعادة ،ولكي لا يتّخذونها ذريعة لتأليهه ،كثيراً ما يكرّر القول ( إنّ الله ربّي وربّكم ) و ( إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً ){[573]} ،بخلاف ما نراه في الأناجيل المحرّفة الموجودة التي تنقل عن المسيح أنّه كان يستعمل «الأب » في كلامه عن الله .إنّ القرآن يذكر «الرب » بدلاً من ذلك: ( إنّ الله ربّي وربّكم ) .وهذا أكثر ما يمكن أن يقوم به المسيح في محاربة من يدّعي بألوهيّته .بل لكي يكون التوكيد على ذلك أقوى يقول للناس ( فاعبُدوه ) أي اعبدوا الله ولا تعبُدوني .
ولذلك نجد أنه لم يكن أحد من الناس يتجرأ في حياة السيّد المسيح ( عليه السلام ) أن يدعي ألوهيته أو أنه أحد الآلهة ،وحتّى بعد عروجه بقرنين من الزمان لم تخالط تعليماته في التوحيد شوائب الشرك ،إلاَّ أن التثليث باعتراف أرباب الكنيسة ظهر في القرن الثالث للميلاد ( وسيأتي تفصيل ذلك في ذيل الآية 171 من سورة النساء ) .