وفي الآية الأخيرةمن الآيات محل البحثعودة أُخرى إلى مسألة المبدأ والمعاد ،وهي الموضوع الأساس الذي ورد في كثير من آيات هذه السورة ...وتصف الآية «الله » بأربعة أوصاف لتكون إشارة للتوحيد ومواجهة الشرك ،ودليلا على المعاد أيضاً فتقول: ( الله الذي خلقكم ثمّ رزقكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عمّا يشركون ) .
و من المسلّم به أن المشركين لم يكن أيّ منهم يعتقد بأن الخلق كان من قِبل الأوثان ،أو أن أرزاقهم بيد الأوثان والأصنام ،أو أن نهاية حياتهم بأيدي هذه الأوثان كذلك !!بل لأنّهم جعلوا هذه الأوثان المصنوعة واسعة وشفعاء بينهم وبين الله ،فعلى هذا يكون الجواب على هذه الأسئلة هو النفي ،والاستفهام هنا استفهام إنكاري !.
الموضوع الآخر الذي يثير السؤال هنا هو أن أُولئك المشركين لم يكونوا يعتقدون بالحياة بعد الموت ،فكيف يستند القرآن في آخر وصف لله تعالى إلى ذلك ؟!
لعل هذا التعبير هو لأنّ مسألة المعاد والحياة بعد الموتكما ذكرناها في بحوثنا المتقدمةلها «جنبة » فطريّة ،والقرآن هنا لا يستند إلى معتقداتهم ،بل إلى فطرتهم .
إضافة إلى ذلك فقد يتفق أن متكلماً ذلقاً حين يواجه شخصاً آخر يُنكر موضوعاً ما ،فيستدرجه بما لديه من حقائق يتقبلها ذلك الآخر ويستند إليها بشكل قطعي ليظهر أثرها ،وينزل صاحبه من مركب الإِنكار .
ثمّ بعد هذا كله فإن بين الحياة الأُولى من قبل الله وقدرته على ذلك ،والحياة بعد الموت رابطة لا تقبل الانفصام ،ومع ملاحظة هذه الرابطة المنطقية فإن «كلا الأمرين » جاءا في عبارة واحدة .
وعلى كل حال فإن القرآن يقول: عندما يكون الخلق والرزق والموت والحياة بيد الله ،فالعبادة ينبغي أن تكون له فقط ،ويكشف هذه الحقيقة بقوله: ( سبحانه وتعالى عمّا يشركون ) وهي أنّ المشركين أهانوا كثيراً مقام رب العزة إذ أشركوه في العبادة مع أوثانهم .