/م123
التّفسير
امتيازات حقيقية وأُخرى زائفة:
لقد بيّنت هذه الآية واحداً من أهم أعمدة أو أركان الإِسلام ،هو أنّ القيمة الوجودية لأي إنسان وما يناله من ثواب أو عقاب ،لا تمت بصلة إِلى دعاوى وأُمنيات هذا الإِنسان مطلقاً ،بل أن تلك القيمة ترتبط بشكل وثيق بعمل الإِنسان وإِيمانه وأنّ هذا مبدأ ثابت ،وسنّة غير قابلة للتغيير ،وقانون تتساوى الأُمم جميعها أمامه ،ولذلك تقول الآية في بدايتها: ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ...)وتستطرد فتقول: ( من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ) .
وكذلك الذين يعملون الخير ،ويتمتعون بالإِيمان ،سواء أكانوا من الرجال أو النساءفإِنّهم يدخلون الجنّة ولا يصيبهم أقل ظلم أبداً ،حيث تقول الآية: ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فاُولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيراً ){[901]} .
وبهذه الصورة يعمد القرآن إِلى نبذ كل العصبيات بكل بساطة ،معتبراً الإِعتبارات والإِرتباطات المصطنعة الخيالية والاجتماعية والعرقية وأمثالها خاوية من كل قيمة إِذا قيست برسالة دينية ،ويعتبر الإِيمان بمبادئ الرسالة والعمل بأحكامها هو الأساس .
وفي تفسير الآية الأُولى من الآيتين الأخيرتين حديث نقلته مصادر الشيعة والسنّة ،مفاده أنّ المسلمين حين نزلت هذه الآية استولى عليهم الرعب وأخذوا يبكون خوفاً ،لمعرفتهم بأنّ الإِنسان معرض للخطأ ويحتمل كثيراً صدور ذنوب منه ،فلو فرض عدم وجود عفو أو غفران وأن يؤاخذ كل إِنسان بجريرته ،فإِنّ الأمر سيكون في غاية الصعوبة ،لذلك لجؤوا إِلى النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) فذكروا له أن هذه الآية قد أفقدتهم كل أمل ،فأقسم النّبي لهم بالله أنّه ما جاءت به الآية هو الصحيح ،ولكنه بشّرهم بأنّها ستكون خير محفز لهم للتقرب إِلى الله والقيام بالأعمال الصالحة ،وإِنّ ما سيصيبهم من محن ومصائب وآلام حتى لو كانت من وخز شوكة سيكون كفارة لذنوبهم{[902]} .
سؤال:
من الممكن أن يستدل البعض من الجملة القرآنية التالية: ( ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ) على أن قضية الشفاعة ونظائرها قد اُلغيت بهذه الآية بصورة تامّة ،فيعتبرونها دليلا لإِلغاء الشفاعة بصورة مطلقة .
الجواب:
لقد أشرنا سابقاً إِلى أن الشفاعة لا تعني أنّ الشفعاء من أمثال الأنبياء والأئمة والصالحين لهم جهاز أو تنظيم مستقل يقابل قدرة الله ،بل الصحيح هو أنّ الشفعاء لا يشفعون لأحد إِلاّ بإِذن الله ،وعلى هذا الأساس فإِنّ مثل هذه الشفاعة ستعود في النهاية إِلى الله وتعتبر فرعاً من ولاية ونصرة وعون الله .