لذلك توضح الآية التي بعدها عاقبة بعض الأمم السابقة التي ضلّت الطريق وانكفأت عن جادة الحق و الصواب ،فتقول في عبارات قاطعة واضحة تحكي عاقبة قوم نوح وحالهم ومن تلاهم من أقوام وجماعات: ( كذبت قبلهم قوم نوح و الأحزاب من بعدهم ) .
المقصود من «الأحزاب » هم قوم عاد وثمود وحزب الفراعنة وقوم لوط ،وأمثال هؤلاء ممّن أشارت إليهم الآيتان ( 1213 ) من سورة «ص » في قوله تعالى: ( كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أُولئك الأحزاب ) .
هؤلاء هم «الأحزاب » الذين تآزروا ووقفوا ضدّ دعوات الأنبياء الإلهيين ،لتعارض مصالحهم مع روح هذه الدعوات ومضامينها الربانية .
إنّهم لم يقتنعوا بمجرّد الوقوف ضدّ الدعوات النبوية الكريمة ،بل خططت كلّ أُمّة منهم لأن تمسك بنبيّها فتسجنه وتؤذيه ،بل وحتى تقتله: ( وهمّت كلّ أُمّة برسولهم ليأخذوه ) .
ثم لم يكتفوا بهذا القدر أيضاً ،بل لجأوا إلى الكلام الباطل لأجل القضاء على الحق ومحوه ،وأصروا على إضلال الناس وصدّهم عن شريعة الله: ( وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ){[3883]} .
إلاّ أنّ هذا الوضع لم يستمر طويلا ،ولم يبق لهم الخير دوماً ،إذ حينما حان الوقت المناسب جاء الوعد الإلهي: ( فأخذتهم فكيف كان عقاب ) .
لكمأيّها الناسأن تشاهدوا خرائب مدنهم حين سفركم وأثناء تجوالكم ...انظروا عاقبتهم المشؤومة المظلمة مدونة على صفحات التأريخ وفي صدور أهل العلم ،فانظروا واعتبروا !
ليس هناك أفضل من هذا المصير الذي ينتظر أشقياء مكّة من الكفار والمشركين الظالمين ؛إلاّ أن يثوبوا إلى أنفسهم ويعيدوا تقييم أعمالهم .
إذاً ،الآية أعلاه تلخص برنامج «الأحزاب » الطاغية ومخططهم في ثلاثة أقسام هي: ( التكذيب والإنكار ) ثمّ ( التآمر للقضاء على رجال الحق ) و أخيراً ( الدعاية المستمرة لإضلال عامّة الناس ) .
أمّا مشركو العرب على عهد البعثة النّبوية فقد قاموا بتكرار هذه الأقسام الثلاثة حيال رسول الإسلام ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحيال رسالته ،لذلك فليس ثمّة من عجب أن يهددهم القرآن الكريم بما حلّ بأسلافهم وبمن سبقهم من الأحزاب ...نفس العاقبة ونفس الجزاء !
/خ6