وتقول الآية الأخيرة من هذه الآيات ( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) .
إنّ عدم بكاء السماء والأرض ربّما كان كناية عن حقارتهم ،وعدم وجود ولي ولا نصير لهم ليحزن عليهم ويبكيهم ،ومن المتعارف بين العرب أنّهم إذا أرادوا تبيان أهمية مكانة الميت ،يقولون: بكت عليه السماء والأرض ،وأظلمت الشمس والقمر لفقده .
واحتمل أيضاً أنّ المراد بكاء أهل السماوات والأرض ،لأنّهم يبكون المؤمنين المقربين عند الله ،لا الجبابرة والطواغيت وأمثاله .
وقال البعض: إنّ بكاء السماء والأرض بكاء حقيقي ،حيث تُظهر احمراراً خاصاً غير احمرار الغروب والطلوع ،كما نقرأ في رواية: «لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بكت السماء عليه ،وبكاؤها حمرة أطرافها »{[4289]} .
وفي رواية أُخرى عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): «بكت السماء على يحيى بن زكريا وعلى الحسين بن علي ( عليهما السلام ) أربعين صباحاً ،ولم تبك إلاّ عليهما » قلت: وما بكاؤها ؟قال: «كانت تطلع حمراء ،وتغيب حمراء »{[4290]} .
غير أننا نقرأ في حديث روي عن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ): «ما من مؤمن إلاّ وله باب يصعد منه عمله ،وباب ينزل منه رزقه ،فإذا مات بكيا عليه »{[4291]} .
ولا منافاة بين هذه الرّوايات ،حيث كان لشهادة الحسين ( عليه السلام ) ويحيى بن زكريا( عليه السلام ) صفة العموم في كلّ السماء ،ولما ورد في الرّوايات الأخيرة صفة الخصوص{[4292]} .
على أي حال ،فلا تضاد بين هذه التفاسير ،ويمكن جمعها في معنى الآية .
نعم لم تبك السماء لموت هؤلاء الضالين الظالمين ،ولم تحزن عليهم الأرض ،فقد كانوا موجودات خبيثة ،وكأنّما لم تكن لهم أدنى علاقة بعالم الوجود ودنيا البشرية ،فلما طرد هؤلاء الأجانب من العالم لم يحس أحد بخلو مكانهم منهم ،ولم يشعر أحد بفقدهم ،لا على وجه الأرض ،ولا في أطراف السماء ،ولا في أعماق قلوب البشر ،ولذلك لم تذرف عين أحد دمعة لموتهم .
وننهي الكلام في هذه الآيات بذكر رواية عن أمير المؤمنين( عليه السلام ) .
فقد ورد في رواية أنّ أمير المؤمنين علياً( عليه السلام ) لما مرّ على المدائن ،ورأى آثار كسرى مشرفة على السقوط والإنهيار ،أنشد أحد أصحابه الذين كانوا معه:
جرت الرياح على رسومهم***فكأنّهم كانوا على ميعاد !
فقال أمير المؤمنين علي( عليه السلام ): «أفلا قلت ( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين ...فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ){[4293]} » .