وحيث أنّ من بين المخلّفين ذوي أعذار لنقص عضوي في أبدانهم أو لمرض وما إلى ذلك فلم يقدروا على الاشتراك في الجهاد ،ولا ينبغي أن نُجحد حقهم ،فإنّ الآية الأخيرة من الآيات محلّ البحث تبيّن أعذارهم وخاصّة أنّ بعض المفسّرين قالوا إنّ جماعة من المعوّقين جاؤوا إلى النّبي بعد نزول الآية وتهديدها للمخلّفين بقولها «يعذّبكم عذاباً أليماً » ،فقالوا: يا رسول الله ما هي مسؤوليتنا في هذا الموقع ؟فنزل قوله تعالى: ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ) .
وليس الجهاد وحده مشروطاً بالقدرة ،فجميع التكاليف الإلهيّة هي سلسلة من الشرائط العامة ومن ضمنها الطاقة والقدرة ،وكثيراً ما أشارت الآيات القرآنية إلى هذا المعنى وفي الآية ( 286 ) من سورة البقرة نقرأ تعبيراً كلياً عن هذا الأصل وهو: ( لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها ) .
وهذا الشرط ثابت بالأدلة النقلية والعقليّة !.
وبالطبع فإن هذه الجماعة وإن كانت معذورة من الاشتراك في ميادين الجهاد ،إلاّ أنّ عليها أن تساهم بمقدار ما تستطيع لتقوية قوى الإسلام وتقدّم الأهداف الإلهية كما نقرأ ذلك في الآية ( 91 ) من سورة التوبة: ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ) .
أي أنّهم إذا لم يستطيعوا أن يؤدّوا عملاً بأيديهم ،فلا ينبغي أن يألوا جهداً فيما يقدرون عليه ولا يعتذروا بألسنتهم عنه ،وهذا التعبير الطريف يدلّ على أنّه لا ينبغي الاغماض عن القدرات أبداً ،وبتعبير آخر أنّهم إذا لم يستطيعوا أن يشاركوا في الجبهة فعلى الأقل عليهم أن يُحكموا المواضع الخلفية للجبهة !
ولعلّ الجملة الأخيرة في الآية محل البحث تشير أيضاً إلى هذا المعنى فتقول: ( ومن يطع الله ورسوله يُدخله جنّات تجري من تحتها الأنهار ومن يتولّ يعذّبه عذاباً أليماً ) .
وهذا الاحتمال وارد أيضاً ،وهو أنّ بعض الأفراد في المواقع الاستثنائية يعتذرون عن المساهمة [ ويسيئون فهم النص] فالقرآن هنا يحذّرهم أنّهم إذا لم يكونوا معذورين واقعاً فإنّ الله أعدّ لهم عذاباً أليماً .
ومن نافلة القول أنّ كون المريض والأعمى والأعرج معذورين خاص بالجهاد ،أمّا في الدفاع عن حمى الإسلام والبلد الإسلامي والنفس فيجب أن يدافع كلٌّ بما وسعه ،ولا استثناء في هذا المجال !