/م27
وأضاف هذا الأخ الصالحمخاطباً أخاه الذي أراد أن يقتلهأنّه لا يريد أن يتحمل آثام الآخرين ،قائلا له: ( إِنّي أريد أن تبوأ{[1023]} بإِثمي وإِثمك ) ( أي لأنّك إِن نفذت تهديدك فستتحمل ذنوبي السابقة أيضاً ،لأنّك سلبت مني حق الحياة وعليك التعويض عن ذلك ،ولما كنت لا تمتلك عملا صالحاً لتعوض به ،فما عليك إِلاّ أن تتحمل إثمي أيضاً ،وبديهي أنك لو قبلت هذه المسؤولية الخطيرة فستكون حتماً من أهل النار ،لأنّ النار هي جزاء الظالمين ) كما تقول الآية: ( فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ) .
نقاط مهمّة يجب الانتباه لها:
1إِن القرآن الكريم لم يذكر في هذه الآيةولا في آيات أُخرىأي اسم لأبناء آدم( عليه السلام ): لكن الروايات الإِسلامية تدل على أن ولدي آدم المذكورين في هذه الآية كان اسم أحدهما «هابيل » والآخر «قابيل » وقد ورد في سفر التكوين من التوراة في الباب الرابع أنّ ولدي آدم المذكورين اسمهما «قائن » و«هابيل » .
وقد ذكر المفسّر المعروف «أبو الفتوح الرازي » أن هذين الاسمين قد وردا بألفاظ مختلفة ،فالاسم الأوّل جاء فيه «هابيل » و«هابل » و«هابن » ،«أما الاسم الثّاني فجاء فيه «قابيل » و«قايين » و«قابل » و«قابن » أو «قبن » ،وعلى أي صورة كان الاسم فإِنّ الاختلاف بين الروايات الإِسلامية ونص التوراة بخصوص اسم «قابيل » نابع عن الاختلاف اللغوي ،ولا يشكل أمراً مهماً في هذا المجال .
والغريب في الأمر أنّ أحد الكتاب المسيحيين قد أورد الاختلاف المذكور دليلا اعترض به على القرآن ،فقال: إِنّ القرآن أورد لفظة «قابيل » بدل «قائن » !
والجواب هو أنّ مثل هذا الاختلاف اللغوي أمر شائع وبالأخص في مجال الأسماءفمثلا كلمة «إِبراهيم » الواردة في القرآن قد وردت في التوراة على شكل «أبراهام » ،كما أنّ القرآن الكريم لم يأت مطلقاً باسم «هابيل » و«قابيل »
وقد ورد هذان الاسمان في الروايات الإِسلامية فقط{[1024]} .
2إِنّ المعروف عن «القربان » هو أنّه كل شيء يحصل به التقرب إلى الله ،لكن القرآن الكريم لم يذكر شيئاً عن ماهية القربان الذي قدمه ولدا آدم ،بينما نقلت الروايات الإِسلاميةوالتوراة في سفر التكوين ،الباب الرابعأن «هابيل » كان يمتلك ماشية فاختار أفضل أغنامه ومنتوجاتها للقربان المذكور ،وأن «قابيل » الذي كان صاحب زرع ،قد اختار لقربانه أردأ الأنواع من زرعه .
3لم يرد في القرآن أي توضيح عن الأسلوب الذي عرف به ابنا آدم قبول قربان أحدهما ورفض قربان الآخر عند اللهوالذي ورد في هذا المجال هو ما نقلته بعض الروايات الإِسلامية من أنّ هذين الشخصين كانا قد وضعا قربانهما على قمة جبل ،فنزلت صاعقة فأحرقت قربان هابيل دلالة على قبوله ،وبقي قربان قابيل على حاله لم يمسه شيء ،وكانت لهذه العلامة سابقة معروفة أيضاً .
لكن بعض المفسّرين يعتقدون أنّ قبول ورفض القربانين إِنّما أعلنا عن طريق الوحي لآدم( عليه السلام ) ،وما كان سبب ذلك غير أنّ هابيل كان إِنساناً ذا سريرة نقية يحبّ التضحية والعفو في سبيل الله فتقبل الله لذلك قربانه ،بينما كان قابيل رجلا ملوث القلب حسوداً معانداً فرفض الله قربانه ،والآيات التالية توضح حقيقة ما جبلت عليه نفسا هذين الأخوين من خير وشر .
4يستنتج من هذه الآياتبصورة جليةأنّ مصدر أولى النزاعات والجرائم في العالم الإِنساني هو «الحسد » ويدلنا هذا الموضوع على خطورة هذه الرذيلة الأخلاقية وأثرها العجيب في الأحداث الاجتماعية .