/م27
ولما كان مثل هذا التأمين والوعظ البليغ لا يؤثر في كل نفس ، قفى عليه هذا الأخ البار بالتذكير بعذاب الآخرة ، فقال{ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} .أي إني أريد بما ذكرت من اتقاء مقابلة الجناية بمثلها أن ترجع أنت إن فعلتها متلبسا بإثمي وإثمك ، أي إثم قتلك إياي ، وإثمك الخاص بك الذي كان من شؤمه عدم قبول قربانك ، وهذا التفسير مأثور عن ابن عباس ( رض ) وفيه وجه آخر ، وهو أنه مبني على كون القاتل يحمل في الآخرة إثم من قتله إن كان له آثام ، لأن الذنوب والآثام التي فيها حقوق للعباد لا يغفر الله تعالى منها شيئا حتى يأخذ لكل ذي حق حقه ، وإنما القصاص في الآخرة بالحسنات والسيئات ، فيعطى المظلوم من حسنات الظالم ما يساوي حقه إن كان له حسنات توازي ذلك ، أو يحمل الظالم من آثام المظلوم وأوزاره ما يوازي ذلك إن كان له آثام وأوزار ، وما نقص من هذا أو ذاك ، يستعاض عنه بما يوازيه من الجزاء أو النار .
وفي ذكر المتكلم إثمه وإثم أخيه تواضع وهضم لنفسه بإضافة الإثم إليها على الوجه الثاني ، وتذكير للمخاطب بأنه ليس له حسنات توازي هذا الظلم الذي عزم عليه ، ولذلك رتب عليه قوله:
{ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ} أي تكون بما حملت من الإثمين من أهل النار في الآخرة لأنك تكون ظالما ، والنار جزاء كل ظالم ، فتكون من أهلها حتما .
ترقى في صرفه عن عزمه من التبرؤ إليه من سبب حرمانه من قبول قربانه ببيان سبب التقبل عند الله تعالى وهو التقوى – إلى تنزيه نفسه من جزائه على جنايته بمثلها – إلى تذكيره بما يجب من خوف الله تعالى رب العالمين الذي لا يرضيه ممن وهبهم العقل والاختيار إلا أن يتحروا إقامة سننه في تربية العالم وإبلاغ كل حي يقبل الكمال إلى كماله – إلى تذكيره بان المعتدي يحمل إثم نفسه وإثم من اعتدى عليه بعدل الله تعالى في القصاص والجزاء – إلى تذكيره بعذاب النار ، وكونها مثوى الظالمين الفخار .