قوله تعالى:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}{هيت} من الهم وهو العزيمة .هم يهم ؛أي عزم يعزم{[2225]} .هم بالأمر إذا قصده وعزم عليه .والمراد بالهم من يوسف: ما كان في دخيلته من خطوات القلب أو حديث النفس مع الامتناع .فما كان منه غير حديث نفس من غير فعل .ولا يؤاخذ العبد على ما يخطر بباله أو يحدث به نفسه .لكن امرأة العزيز عزمت على المواقعة وابتغتها لنفسها من يوسف ؛فهي بذلك قد همت بالمعصية وكانت مصرة على فعلها .وهم يوسف بميل الطبع ومنازعة الشهوة ولم يقصد الفعل ؛لأنه الله قد أراه برهانا فامتنع عن العزم أو الفعل ،وهذا تأويل قوله:{لولا أن رءا برهان ربه}{لولا} أداة امتناع لوجود .والمصدر من{أن رءا} في موضع رفع مبتدأ .وخبر المبتدأ وهو هنا جواب لولا: محذوف ،والتقدير: لولا رؤية برهان ربه لخالطها ،أو لفعل ما هم به .وذلك كقوله: هممت بقتله لولا أني خفت الله .أو لولا أني خفت الله لقتله{[2226]} .
وعلى هذا خلاف في أن الهم من امرأة العزيز كان فعل المعصية .أما الهم من يوسف فهو موضع خلاف بين العلماء .والظاهر أنه هم بها لكنه لما رأى البرهان من الله لم يهم ؛وذلك لوجوب العصمة في حق الأنبياء .وبذلك يكون في الكلام تقديم وتأخير .والتقدير: لولا أن رأى يوسف برهان ربه لكان قد هم بها .فهمت هي بالمعصية أما هو فقد هم ولم يواقع ما هم به بسبب البرهان الذي رآه .
قوله:{كذالك لنصرف عنه السوء والفحشاء} الكاف في اسم الإشارة في موضع نصب صفة لمصدر محذوف ،والتقدير: أريناه البرهان رؤية مثل ذلك .وقيل: في محل رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف .والتقدير: الأمر مثل ذلك .والمراد بالسوء: خيانة زوجها العزيز ،وهو الذي أكرمه وأحسن إليه{والفحشاء} معناه الزنا .والمعنى: كما رأيناه البرهان الذي صرفه عما هم به من الفاحشة ،كذلك نقيه السوء والفحشاء .أو نقيض له ما يزجره عن إتيان المعاصي{غنه من عبادنا المخلصين} بفتح اللام ؛أي من الذين استخلصهم الله لدينه وتبليغ رسالته{[2227]} .