قوله تعالى:{أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتب مفصلا والذين ءاتينهم الكتب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين ( 114 ) وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلمته وهو السميع العليم} .
قيل في سبب نزول الآية أن مشركي قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعل بيننا وبينك حكما من أحبار اليهود أو من أساقفة النصارى ليخبرنا عنك بما في كتابهم من أمرك .
قوله:{أفغير الله أبتغي حكما} الاستفهام للإنكار .والفاء للعطف .غير مفعول به للفعل أبتغي .حكما منصوب على الحال .وقيل: منصوب على التمييز{[1253]} والمعنى: قل لهم يا محمد لما طلبوه من أن يجعل بينه وبينهم حكما فيما اختلفوا فيه .فالله جل جلاله هو الحكم العدل وهو الصدوق ذو الفضل .
قوله:{وهو الذي أنزل إليكم الكتب مفصلا} الجملة في محل نصب على الحال مؤكدة للإنكار .والمعنى: أأبتغي حكما غير الله ،والحال أنه هو الذي أنزل إليكم القرآن العظيم المعجز على كونكم أميين لا تعلمون .أنزله إليكم مبينا كل ما تختصمون فيه .ومميزا فيه الحق من الباطل والحلال من الحرام ،وغير ذلك من الأحكام .ذلك أن القرآن جاء تفصيلا وبيانا لكل شيء .فإنه مبين لأصول الأشياء والأحكام ومتضمن للقواعد والأسس من قضايا الإنسان والكون .
قوله:{والذين ءاتينهم الكتب يعلمون أنه منزل من ربك الحق} كلام مستأنف سيق لتأكيد حقية القرآن .والمراد بالكتاب هنا التوراة والإنجيل .والمقصود باسم الموصول علماء اليهود والنصارى .فإنهم موقنون في أعماقهم أن القرآن منزل من عند الله بالحق .أي أن كل ما حواه هذا الكتاب الحكيم من أخبار وأحكام ووعد ووعيد لحق .وقوله:{بالحق} في محل نصب على الحال .
قوله:{فلا تكونن من الممترين} الفاء لترتيب النهي على الإخبار بعلم أهل الكتاب أن القرآن منزل من ربك بالحق .والمراد بالممترين: المترددون الشاكون .والمعنى ،أن الله نهى رسوله الكريم أن يكون من الشاكين في أن أهل الكتاب يعلمون أن القرآن منزل من عند الله بالحق .وقيل: نهاه عن مطلق الامتراء وذلك من باب التعريض لأمته كيلا يمتروا .أي لا يكن أحد من الناس ممتريا .والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكن المراد بمقتضاه أمته{[1254]} .