{وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} ،فإن قدرته في خلقهم على الشكل الذي خلق فيه أجسادهم هي قدرته نفسها على خلق الطريقة التي يستخدمون بها عقولهم وأفكارهم ،لأنه قادر على كل شيء يتعلق بهم في أصل الخلق وتفاصيله ،فإذا أراد أن يجعلهم على مستوىً واحد في التفكير ليصلوا إلى نتيجة واحدة ،أو ليكونوافي أصل وجودهمعلى تصور واحد لكل القضايا المتعلقة بالإيمان والحياة ،فهو قادر ،لأنه إذا أراد شيئاً فإنه يتفتح على القضية الحاسمة{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [ النحل:40] .
{وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} في ما اقتضته سنَّة الله في وجود الإنسان من اختلاف في مستوى التفكير وطريقته ،وتنوّع في التجربة وطبيعة النتائج التي ينتهي إليها كل منهم ،مما يوجب كثيراً من التنازع والارتباك في شؤون الحياة الخاصة والعامة للناس ،ويؤدّي إلى الانحراف عن الخط المستقيم ،والبعد عن خط الإيمان والاقتراب من خطوط الكفر والضلال .
لماذا يحدث الخلاف بين الناس ؟
وتلك هي طبيعة الحرية التي جعلها الله للإنسان في إرادته ،في ما تتحرك به في الخطوط المتوازية للفكر والعمل لما يراه الله من الحكمة في ذلك ،بعيداً عن أيّ محذورٍ عقليّ ،لأن الله جعل من الضوابط الذاتية التي تحدّد للإنسان خط السير في مناهج الفكر وأساليبه ،وطبيعة المضمون ،مما لو اختاره وسار عليه لاستطاع أن يصل إلى نتيجةٍ واحدةٍ ،ولكنّ مشكلته ،أن نوازعه الذاتية تتدخّل في نهج تفكيره ،وفي عملية الاختيار ،كما أن أوضاعه العاطفية والانفعالية ،قد تؤثر على قراراته الفكرية ،فتختلط عليه الأمور ،وتتشابك القضايا ،ويفقد وضوح الرؤية لما يحيط به .