/م116
{ ولو شاء ربك} أيها الرسول الحريص على إيمان قومه الآسف على إعراض أكثرهم عن إجابة دعوته ، واتباع هدايته{ لجعل الناس أمة واحدة} على دين واحد بمقتضى الغريزة والفطرة لا رأي لهم فيه ولا اختيار ، وإذن لما كانوا هم هذا النوع من الخلق المسمى بالبشر وبنوع الإنسان ، بل لكانوا في حياتهم الاجتماعية كالنحل أو النمل ، وفي حياتهم الروحية كالملائكة مفطورين على اعتقاد الحق وطاعة الله عز وجل ، فلا يقع بينهم اختلاف ، ولكنه خلقهم بمقتضى حكمته كاسبين للعلم لا ملهمين ، وعاملين بالاختيار وترجيح بعض الممكنات المتعارضة على بعض لا مجبورين ولا مضطرين ، وجعلهم متفاوتين في الاستعداد وكسب العلم واختلاف الاختيار ، وقد كانوا في طور الطفولة النوعية في الحياة الفردية والزوجية والاجتماع البدوي الساذج أمة واحدة لا مثار للاختلاف بينهم ، ثم كثروا ودخلوا في طور الحياة الاجتماعية فظهر استعدادهم للاختلاف والتنازع فاختلفوا ، كما قال تعالى:{ وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا} [ يونس:19] في كل شيء بالتبع لاختلاف الاستعداد .
{ ولا يزالون مختلفين} في كل شيء حتى الدين الذي شرعه الله لتكميل فطرتهم وإزالة الاختلاف بينهم .