{نَجْوَى}: مسارّون: يتناجون فيما بينهم .
{مَّسْحُورًا}: مخبول العقل .
{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} وهذا إيحاءٌ من الله للنبي ( ص ) ولكل داعيةٍ للحق ،في مثل ظروفه ،بأنه يعلم كل الخلفيات التي يختفي خلفها أعداؤه في ما يضمرونه في أنفسهم ،وما يهمسون به في نجواهم ،وأنه يعرّفه من ذلك ما يجهله ،بالوحي تارةً ،وبالإيحاء الداخلي أخرى ،ليواجه ذلك كله بالتحفظ والاستعداد للتخطيط المضادّ .وهكذا أراد الله أن يعمِّق الثقة ،في وعي النبي لدوره ،برعاية الله ،فهو أعلم بما يستمعون به من آذانهم التي ترنّ فيها الكلمة عندما تدخلها ،وكيف تدخل وتستقر ،وما الروحية التي تكمن خلف ذلك ؛هل هي روحية الذي يستمع ليؤمن ،أو الذي يستمع ليشاغب وليحرّف الكلم عن مواضعه ،وليكتشف الأفق المظلم الذي يحرّك أشباح الحقد والسوء أمام الرسول أو الداعية ؟؟
وهو أعلم بما في قلوبهم التي يستمع بها الإنسان ،بالاستماع الداخلي الذي تتحرك فيه الكلمة لتعمق فكرةً ،أو لتثير شعوراً ،أو لتحرك خطوةً ،أو لتفكِّر في خطَّةٍ مضادّة ...ليدبِّر المكائد وليزرع الأرض بالأشواك .وهكذا يستمع الإنسان بقلبه ،كما يستمع بأذنيه ،والله هو المطلع عليها جميعاً ،يعرف كيف يستمعون إليه بروحية الناس الذين ينظرون إليه بحقدٍ واستهزاء ،ويواجهون كلماته بإهمال وكيد .
دأب الخصوم على تشويه صورة الدعاة
{وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} يتناجون في ما بينهم ،كيف يمنعونه من إبلاغ رسالته ،وكيف يحولون بين الناس وبينه ؟وما الكلمة التي يقولونها للناس كعنوان لشخصيته التي لا يريدون لها أن تظهر في موقع الرسالة ،بل في موقع آخر يحتقره الناس ولا يحترمونه ؟
{إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ} من هؤلاء المشركين ،الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك ،وظلموا الرسول وصحبه بالتعسُّف والإيذاء والتآمر عليهم وعلى الرسالة ،عندما يحدِّثون الناس الذين اتّبعوا الرسالة وآمنوا بالرسول ،ليخذلوهم عنه .
{إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} خاضعاً لأساليب السحر التي أثّرت على عقله وسلوكه وطريقته في الحديث مع الناس .وهذا هو دأب كل خصوم الرسالات الحقّة الّذين يثيرون أمامها الكلمات التي تشوّه صورة الدعاة والرسل ،بما يحول بينهم وبين الناس نفسيّاً أو عقلياً ،في عمليةٍ إيحائيّةٍ بأنهم ليسوا في مستوى القيادة الفكرية أو العملية ،وذلك لما يكمن في شخصياتهم من خصائص سلبيّة ،انطلاقاً من حالةٍ مرضيَّةٍ أو عقليّةٍ .وهكذا كانت تهمة السحر من التهم الكثيرة التي وجّهت للأنبياء ،بين كلمةٍ تصفه بالساحر ،لتجعل تأثيره في الناس منطلقاً من السّحر لا من الفكر المقنع ،وبين كلمة تصفه بالمسحور ،لتوحي بأنه لا يتحدث من موقعٍ عقليٍّ هادىٍء ،بل من موقعِ المجنون الذي لا يصدر عنه إلا التصرّفات البعيدة عن الحكمة والاتزان .وما تزال الكلمات تتنوع تبعاً للأجواء النفسية التي يتأثّر بها الناس سلبياً ،في مواجهة الرسالات في كل زمان ومكان .