{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} .أمّا إذا كان المدين معسراً لا يستطيع أن يرجع رأس المال إلى صاحبه في الوقت الحاضر ،فإن الله يريد من الإنسان المؤمن أن ينتظره حتى يتمكن من ذلك ويجعل له الله من أمره يسراً ،لأن ذلك هو خط العدل والرحمة في معناهما الإنساني الواقعي ،فإذا كان العدل يفرض على المدين أن يدفع ما في ذمته إلى دائنه فلا يأكله بالباطل ،فإنه يفرض على الدائن أن يراعي ظروف المدين في حالة العسر ،فلا يضطره إلى أن يبيع ما يحتاجه من ضرورات الحياة الطبيعية أو يرهق نفسه بدين جديد يضطر إلى الخضوع فيه لشروط صعبة في ماله وكرامته وحياته ،لأن حركة العدل في الحقوق والعلاقات تبقى في نطاق القدرة العادية للإنسان ،فلا تتجاوزها إلى ما يخرج عن القدرة ،فإن في ذلك الحرج كل الحرج ،والعسر كل العسر ،وقد قال تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [ الحج: 78] ،{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [ البقرة: 185] .
وقد جاء في الكافي عن الإمام جعفر الصادق( ع ) قال: صعد رسول الله( صلى الله عليه وسلّم ) المنبر ذات يوم ،فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على أنبيائه ( صلى الله عليهم ) ثم قال: أيها الناس ليبلّغ الشاهد منكم الغائب ،ألا ومن أنظر معسراً ،كان له على الله عز وجل في كل يوم صدقة بمثل ماله حتى يستوفيه ،ثم قال أبو عبد الله( ع ):{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أنه معسر فتصدقوا عليه بمالكم فهو خير لكم .
{وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} .ثم يثير أمام الدائن القادر الموقف الروحي الذي يتسامى معه الإنسان إلى أجواء التضحية والعطاء .فيبدأ بالتفكير في المكاسب التي يحصل عليها عند الله ،بدلاً من الحسابات المادية التي تخضع للربح والخسارة في ما يحصل عليه من ماله أو في ما لا يحصل عليه منه ،فإذا كان المدين غير قادر ،وكان من حقه أن ينتظره ،فإن من حق الله عليه في شكره لنعمه ،ومن حق نفسه عليه في أن يرفع درجتها عند الله من خلال أعمال الخير ،أن يتصدق بهذا الدين على صاحبه قربة إلى الله ،فهو خير له عند الله الذي يتقبل صدقات عباده ويعفو عنهم ويجزل لهم العطاء في الدنيا والآخرة ،إن كانوا يعلمون موازين الربح والخسارة في ما يبقى ويخلد ويستمر ،فلا يقتصرون على الموازين العاجلة التي يفكر فيها الغافلون .