وقوله:( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ):يأمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء ، فقال:( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) [ أي]:لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حل عليه الدين:إما أن تقضي وإما أن تربي .
ثم يندب إلى الوضع عنه ، ويعد على ذلك الخير والثواب الجزيل ، فقال:( وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ) أي:وأن تتركوا رأس المال بالكلية وتضعوه عن المدين . وقد وردت الأحاديث من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بذلك:
فالحديث الأول:عن أبي أمامة أسعد بن زرارة [ النقيب] ، قال الطبراني:حدثنا عبد الله بن محمد بن شعيب الرجاني حدثنا يحيى بن حكيم المقوم ، حدثنا محمد بن بكر البرساني ، حدثنا عبد الله بن أبي زياد ، حدثني عاصم بن عبيد الله ، عن أبي أمامة أسعد بن زرارة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سره أن يظله الله يوم لا ظل إلا ظله ، فلييسر على معسر أو ليضع عنه ".
حديث آخر:عن بريدة ، قال الإمام أحمد:حدثنا عفان ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا محمد بن جحادة ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه قال:سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة ". قال:ثم سمعته يقول:"من أنظر معسرا فله بكل يوم مثلاه صدقة ". قلت:سمعتك يا رسول الله تقول:"من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة ". ثم سمعتك تقول:"من أنظر معسرا فله بكل يوم مثلاه صدقة "؟ ! قال:"له بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين ، فإذا حل الدين فأنظره ، فله بكل يوم مثلاه صدقة ".
حديث آخر:عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري ، قال [ الإمام] أحمد:حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا أبو جعفر الخطمي ، عن محمد بن كعب القرظي:أن أبا قتادة كان له دين على رجل ، وكان يأتيه يتقاضاه ، فيختبئ منه ، فجاء ذات يوم فخرج صبي فسأله عنه ، فقال:نعم ، هو في البيت يأكل خزيرة فناداه:يا فلان ، اخرج ، فقد أخبرت أنك هاهنا فخرج إليه ، فقال:ما يغيبك عني ؟ فقال:إني معسر ، وليس عندي . قال:آلله إنك معسر ؟ قال:نعم . فبكى أبو قتادة ، ثم قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة ". ورواه مسلم في صحيحه .
حديث آخر:عن حذيفة بن اليمان ، قال الحافظ أبو يعلى الموصلي:حدثنا الأخنس أحمد بن عمران حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا أبو مالك الأشجعي ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتى الله بعبد من عبيده يوم القيامة ، قال:ماذا عملت لي في الدنيا ؟ فقال:ما عملت لك يا رب مثقال ذرة في الدنيا أرجوك بها ، قالها ثلاث مرات ، قال العبد عند آخرها:يا رب ، إنك أعطيتني فضل مال ، وكنت رجلا أبايع الناس وكان من خلقي الجواز ، فكنت أيسر على الموسر ، وأنظر المعسر . قال:فيقول الله ، عز وجل:أنا أحق من ييسر ، ادخل الجنة ".
وقد أخرجه البخاري ، ومسلم ، وابن ماجه من طرق عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة . زاد مسلم:وعقبة بن عامر وأبي مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . ولفظ البخاري .
حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا يحيى بن حمزة ، حدثنا الزهري ، عن عبد الله بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كان تاجر يداين الناس ، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه:تجاوزوا عنه ، لعل الله يتجاوز عنا ، فتجاوز الله عنه ".
حديث آخر:عن سهل بن حنيف ، قال الحاكم في مستدركه:حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى ، حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك ، حدثنا عمرو بن ثابت ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عبد الله بن سهل بن حنيف ، أن سهلا حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أعان مجاهدا في سبيل الله أو غازيا ، أو غارما في عسرته ، أو مكاتبا في رقبته ، أظله الله يوم لا ظل إلا ظله "ثم قال:صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
حديث آخر:عن عبد الله بن عمر ، قال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن عبيد ، عن يوسف بن صهيب ، عن زيد العمي ، عن ابن عمر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أراد أن تستجاب دعوته ، وأن تكشف كربته ، فليفرج عن معسر "، انفرد به أحمد .
حديث آخر:عن أبي مسعود عقبة بن عمرو ، قال الإمام أحمد:حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا أبو مالك ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، أن رجلا أتى به الله عز وجل ، فقال:ماذا عملت في الدنيا ؟ فقال له الرجل:ما عملت مثقال ذرة من خير أرجوك بها ، فقالها له ثلاثا ، وقال في الثالثة:أي رب كنت أعطيتني فضلا من المال في الدنيا ، فكنت أبايع الناس ، فكنت أتيسر على الموسر ، وأنظر المعسر . فقال تبارك وتعالى:نحن أولى بذلك منك ، تجاوزوا عن عبدي . فغفر له . قال أبو مسعود:هكذا سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا رواه مسلم من حديث أبي مالك سعد بن طارق به .
حديث آخر:عن عمران بن حصين ، قال الإمام أحمد:حدثنا أسود بن عامر ، أخبرنا أبو بكر ، عن الأعمش ، عن أبي داود ، عن عمران بن حصين قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من كان له على رجل حق فأخره كان له بكل يوم صدقة ".
غريب من هذا الوجه وقد تقدم عن بريدة نحوه .
حديث آخر:عن أبي اليسر كعب بن عمرو ، قال الإمام أحمد:حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، قال:حدثني أبو اليسر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله ، عز وجل ، في ظله يوم لا ظل إلا ظله ".
وقد أخرجه مسلم في صحيحه من وجه آخر ، من حديث عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، قال:خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا ، فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه غلام له معه ضمامة من صحف ، وعلى أبي اليسر بردة ومعافري ، وعلى غلامه بردة ومعافري فقال له أبي:يا عم ، إني أرى في وجهك سفعة من غضب ؟ قال أجل ، كان لي على فلان بن فلان الحرامي مال ، فأتيت أهله فسلمت ، فقلت:أثم هو ؟ قالوا:لا فخرج علي ابن له جفر فقلت:أين أبوك ؟ فقال:سمع صوتك فدخل أريكة أمي . فقلت:اخرج إلي فقد علمت أين أنت ؟ فخرج ، فقلت:ما حملك على أن اختبأت مني ؟ قال:أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك ; خشيت والله أن أحدثك فأكذبك ، وأن أعدك فأخلفك ، وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت - والله - معسرا قال:قلت:آلله ؟ قال:قلت:آلله ، قال:الله . قلت:آلله ؟ قال:الله . قال:فأتى بصحيفته فمحاها بيده ، ثم قال:فإن وجدت قضاء فاقضني ، وإلا فأنت في حل ، فأشهد بصر عيني ووضع أصبعيه على عينيه وسمع أذني هاتين ، ووعاه قلبي وأشار إلى مناط قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:"من أنظر معسرا ، أو وضع عنه أظله الله في ظله ". وذكر تمام الحديث .
حديث آخر:عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، قال عبد الله بن الإمام أحمد [ في مسند أبيه] حدثني أبو يحيى البزاز محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا الحسن بن بشر بن سلم الكوفي ، حدثنا العباس بن الفضل الأنصاري ، عن هشام بن زياد القرشي ، عن أبيه ، عن محجن مولى عثمان ، عن عثمان ، قال:سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول:"أظل الله عينا في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله من أنظر معسرا ، أو ترك لغارم ".
حديث آخر:عن ابن عباس ، قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا نوح بن جعونة السلمي الخراساني ، عن مقاتل بن حيان ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال:خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ، وهو يقول بيده هكذا وأومأ عبد الرحمن بيده إلى الأرض:"من أنظر معسرا أو وضع له ، وقاه الله من فيح جهنم ، ألا إن عمل الجنة حزن بربوة ثلاثا ، ألا إن عمل النار سهل بسهوة ، والسعيد من وقي الفتن ، وما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانا "تفرد به أحمد .
طريق أخرى:قال الطبراني:حدثنا أحمد بن محمد البوراني قاضي الحديثة من ديار ربيعة ، حدثنا الحسين بن علي الصدائي ، حدثنا الحكم بن الجارود ، حدثنا ابن أبي المتئد خال ابن عيينة عن أبيه ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أنظر معسرا إلى ميسرته أنظره الله بذنبه إلى توبته ".