[ وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة] أي إن كان المدين غير قادر على الأداء لعسرة ملازمة له كملازمة الصاحب لصاحبه فانتظار إلى وقت يتيسر فيه ، فلا يزيد عليه ليرهقه ، فيعجز عن الوفاء ، بل ينتظر حتى يجيء الوقت الذي يستطيع الأداء فيه .
و هنا بعض عبارات فيها إشارات بيانية جديرة بالتنبيه:
أولها:التعبير بذو عسرة في قوله [ و إن كان ذو عسرة] أي كان صاحب عسرة وضيق شديد يلازمه كملازمة الصاحب ؛ لأن كلمة ذو تدل على المصاحبة؛ وفرض أن بعض المدينين ذو عسرة يدل على أن مدينين آخرين يستطيعون الوفاء ، ومنهم الذين يقترضون للاستغلال .
ثانيها:قوله تعالى:[ فنظرة إلى ميسرة] معناها:فالحكم أو الأمر انتظار إلى ميسرة ، وهناك قراءة أخرى ، وهي ( فناظره إلى ميسرة ) أي فمنتظره إلى ميسرة .
ثالثها:قوله [ إلى ميسرة] فالميسرة بفتح السين وضمها كمقبرة ومقبرة:هي حال اليسر ، فليست الميسرة هي مجرد اليسار بل هي اليسار المستقر الثابت الذي يتمكن فيه المدين من وفاء دينه كله مقدما القوي على الضعيف ، أي أن الدائن ينتظر المدين حتى يقف من عثرة العسرة ويستقيم أمره ، لا أن يترقب أي مال حتى يأخذه كما يأخذ الصائد قنيصته .
[ وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون] أي أنه إذا ثبت العجز وتقرر ، وأصبح احتمال اليسار غير قريب ، فتصدقوا بالدين على صاحبه وأبرئوه منه ؛ فإن ذلك يكون خيرا لكم في الدنيا والآخرة ؛ أما في الدنيا فلأنكم إذا فقدتم الأمل في الاستيفاء فكل جهد في سبيله ضائع ، وكل تعقب في سبيله يورث الإحن من غير جدوى ، ويثير الأحقاد المستمرة من غير فائدة فيكون من الخير العفو والإبراء ، والإبقاء على الأخوة ، والعلاقات الاجتماعية ؛ وأما في الآخرة فالنعيم المقيم .
و هذا الجزء في النص الكريم فيه إشعار للدائنين بأنه إذا ذهب دينهم بالتّوى{[437]} وعجز المدين عن الوفاء فلا تذهب أنفسهم حسرات ، وليعلموا أن التصدق أجدى إن كانوا يعلمون . وذكر سبحانه هذه الجملة السامية:[ إن كنتم تعلمون] لأن غمرة الألم لفقد الدين قد تنسيهم ما ينبغي في مثل هذه الحال فنبههم إلى ما ينبغي ليكونوا في حال وعي نفسي دائم ، ولا ينسيهم المال الحال والمآل .