ثم أمر الله تعالى الدائنين أن يصبروا على المدنيين الذين لا يجدون ما يؤدونهمن ديونهم فقال تعالى:
280-{و إن كان ذو عسرة فنظرة إلى مسيرة} .
و العسرة: اسم الإعسار وهو تعذر الموجود من المال يقال أعسر الرجل إذا صار إلى حالة العسرة وهي الحالة التي يتعسر فيها وجود المال .
و النظرة: اسم من الإنظار بمعنى الإهماليقال نظره وانتظره وتنظره تأنى عليه وأهمله في الطلب .
و الميسرة مفعلة من اليسر الذي هو ضد الإعسار يقال أيسر الرجل فهو موسر إذا اغتنى وكثر ماله وحسنت حاله .
و المعنى: وإن وجد مدين معسر فأمهلوه في أداء دينه إلى الوقت الذي يتمكن فيه من سداد ما عليه من ديونه ولا تكونواكأهل الجاهلية الذين كان الواحد منهم إذا كان له دين على شخص وحل موعد الدين طالبه بشدة وقال له إما أن تقضي وإما أن تربي أي أن تدفع زيادة على أصل الدين .
و"كان "هنا الظاهر أنها تامة بمعنى وجد أو حدث فتكفي بفاعلها كسائر الأفعال وقيل يجوز أن تكون ناقصة واسمها ضمير مستكن فيها يعود إلى المدين إن لم يذكر وقوله:"فنظرة "الفاء جواب الشرط ونظرة خبر لمبتدأ محذوف أي فالأمر او فالواجب أو مبتدأ محذوف الخبر أي فعليكم نظرة .
ثم حبب سبحانه إلى عباده التصديق بكل أو ببعض ما لهم من ديون على المدينين المعسرين فقال تعالى:{و ان تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون .
أي فإن فعلتم هذا يكون أكثر ثوابا لكم من الإنظار .
و جواب الشرط في قوله:{إن كنتم تعلمون} محذوف أي إن كنتم تعلمون ان هذا التصدق خير لكم فلا تتباطؤوا في فعلهبل سارعوا إلى تنفيذه فإن التصدق بالدين على المعسر ثوابه جزيل عند الله تعالى
و قد أورد بعض المفسرين جملة من الأحاديث النبوية التي تحض على إهمالالمعسر والتجاوز عما عليه من ديون .
و من ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة "( 78 ) .
وروى الطبراني عن أسعد بن زرارة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من سره أن يظله الله يوم لا يظل إلا ظله فلييسر على معسر أو ليضع عنه "( 79 ) .
و روى الإمام أحمد عن ابن عمرقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرج عن معسر "( 80 ) .