المفردات:
لا يهدي كيد الخائنين: أي: لا ينفذه ولا يواصله إلى غايته .
التفسير:
52{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} .
أي: قالت امرأة العزيز تعقيبا على شهادتها ؛ببراءة يوسف من مراودتها: إني فعلت ذلك ،وبرّأت ساحة يوسف ،مع أنه غائب عن مجلسنا ؛ليعلم يوسف أني لم أخنه في غيابه ولم أفتر عليه ،وليعلم أن الله لا يهدي كيد الخائنين .
ولعل هذه السنون ،قد طحنت هذه المرأة ؛ولعل ضميرها عذّبها حين قذفت ببريء إلى السجن ،طوال هذه المدة ،ولعلها تابت ورجعت إلى طريق النور والهدى ،وطرقت باب الله معلنة رغبتها في التوبة إلى:{غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب} .
ويذهب بعض المفسرين: إلى أن هذه الآية من كلام يوسف ؛حين ذهب مندوب الملك بنتيجة التحقيق ،وبراءة يوسف على لسان النسوة ،وعلى لسان امرأة العزيز ؛فقال يوسف:{َذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} .أي: هذا الذي فعلته ،من رد رسول الملك ؛حتى يحقق الملك في قضيتي ،وتظهر براءتي ؛ليعلم العزيز: أني لم أخنه في زوجته في غيبته ؛بل تعففت عنها .
{وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} .أي: لا يوفّق الخائن ،ولا يسدد خطاه .
منزلة يوسف
بلغ يوسف منزلة من النزاهة وكرم النفس ،وحسبك أنه لم يتعجل الخروج قبل أن تظهر براءته ،براءة علنية على هذا النحو المشرّف ؛وذلك أنه خشي أن يخرج من السجن ،وينال منزلة عالية ،فيقول الناس: هذا هو الذي راود امرأة مولاه ،وقد صفح عنه الملك ،وينظر إليه الناس باستمرار نظرة فيها ريبة وشك .
من الصحاح
ورد في كتب الحديث الصحيحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ،ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف ،ثم جاءني الرسول ؛لأجبت الداعي ،ثم قرأ:{بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ...)} . 23
قال ابن عطية في التفسير: مدح النبي صلى الله عليه وسلم يوسف ،بالصبر والأناة ،ثم ذكر: أنه لو دعي إلى الخروج من السجن ؛لبادر بالخروج ،ثم حاولوا بيان عذره وبراءته بعد ذلك .
يريد الرسول صلى الله عليه وسلم: حمل الناس على الأحزم من الأمور ؛حتى لا تضيع فرصة الخروج من السجن ،وتنصرف نفس مخرجه عنهوإذا كان يوسف قد أمن ذلك بعلمه من الله ؛فغيره من الناس لا يأمن ذلك ؛فالحالة التي ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه إليها حالة حزم ،وما فعله يوسف عليه السلام صبر وجلد .ا ه .
وصل اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .
وكان الفراغ منه عشية يوم الخميس 5 صفر 1415ه / الموافق 14/7/1994 م بمدينة المقطمالهضبة العليا ،مسجد حراء ،قرب ميدان النافورة ،والحمد لله حمدا كثيرا طيبا طاهرا مباركا فيه كما يرضى ربنا ويحب ،وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين .