/م120
المفردات:
العقاب: في أصل اللغة: المجازاة على أذى سابق ،ثم استعمل في مطلق العقاب .
التفسير:
{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} .
تحدث المفسرون كما تحدثت كتب علوم القرآن ،عن أسباب نزول هذه الآية وما بعدها إلى آخر سورة النحل ،فذكر جمع من المفسرين: أن هذه الآيات نزلت في أعقاب غزوة أحد .
روى الحافظ البزار عن أبي هريرة:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة بن عبد المطلب حين استشهد ،فنظر إلى منظر لم ينظر أوجع للقلب منه ،وقد مثل المشركون به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لقد كنت وصولا للرحم ،فعولا للخيرات ،والله لولا حزن من بعدك عليك ؛لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع ،أما والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك ) فنزلت هذه الآية ،فكفر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه74 .
وقد ذكر ابن كثير في تفسيره:
إن هذا الإسناد السابق فيه ضعف ؛ لأن أحد رواته وهو( صالح بن بشر المرّى ) ضعيف عن الأئمة ،وروى عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه عن أبي كعب ،قال: لما كان يوم أحد قتل من الأنصار ستون رجلا ،ومن المهاجرين ستة ،فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن كان لنا يوم مثل هذا اليوم من المشركين لنمثلن بهم ،فلما كان يوم الفتح ، قال رجل: لا تعرف قريش بعد اليوم ،فنادى مناد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أمن الأبيض والأسود ،إلا فلانا وفلانا ( ناسا سماهم ) ،فنزلت الآيات الثلاث الأخيرة من سورة النحل ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نصبر ولا نعاقب . 75 .
وقد ذكر بعض العلماء: أن هذه الآيات الثلاث الأخيرة من سورة النحل ،تكرر نزولها ،فنزلت يوم أحد ونزلت عند فتح مكة ،والحكمة في تكرير نزولها ؛شدة الحاجة إلى العمل بمعانيها ،عند الرغبة في التشفي ،ودعوة القرآن إلى الصبر .
وعند التأمل نجد أن الآيات دعوة إلهية إلى الصبر والاحتمال ،وهي دستور مفيد للإنسان وللجماعات والأمم ،وسواء كان نزولها في غزوة أحد ،أو عند فتح مكة ،أو عند حياة المسلمين بمكة قبل الهجرة ،فإن معانيها عامة ،وأوامرها وآدابها مطلوبة للحياة والأفراد .
وفي معنى قوله تعالى:{وإن عاقبتم ...} الآية .يقول سبحانه وتعالى:{وجزاء سيئةٍ سيئةُ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله} . ( الشورى:40 ) .
أي: إن من حق الإنسان أن يعاقب على الإساءة إليه ،بالقصاص أو بالعقوبة المناسبة ،فإذا عفي وأصلح ؛فإنه ينال جزاءه عند الله في الحياة الآخرة .
وكذلك معنى الآية يفيد: أنه يحق للإنسان أن يعاقب المعتدي بمثل عقوبته ،وله أن يعفو ويصفح ،وهذا خير وأفضل ،وفي الحديث النبوي الشريف:
( ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال عبد من صدقة ،وما تواضع أحد لله إلا رفعه ،وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا فاعفوا يعزكم الله )76 .
وقال الشيخ أحمد المراغي في تفسير المراغي:
والخلاصة: أنكم إن رغبتم في القصاص فاقنعوا بالمثل ولا تزيدوا عليه ؛فإن الزيادة ظلم ،والظلم لا يحبه الله ولا يرضى به ،وإن تجاوزتم عن العقوبة وصفحتم ؛فذلك خير وأبقى ،والله هو الذي يتولى عقاب الظالم ويناصر المظلوم .