{وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ( 13 ) اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ( 14 ) من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن أظل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( 15 )}
المفردات:
طائره: أي: عمله ،سمي به ؛إما لأنه طار إليه من عش الغيب ،وإما لأنه سبب الخير والشر كما قالوا:
طائر الله لا طائرك أي: قدر الله الغالب الذي يأتي بالخير والشر لا طائرك الذي تتشاءم به وتتيمن ؛إذ جرت عادتهم بأن يتفاءلوا بالطير ويسمونه: زجرا فإن مر بهم من اليسار إلى اليمين ؛تشاءموا منه وسموه: بارحا .
كتابا: هو صحيفة عمله .
منشورا: أي: غير مطي .
التفسير:
13-{وكلَّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه ...} .
أي: ألزمناه عمله الصادر منه باختياره خيرا شرا ،بحيث لا يفارقه أبدا بل يلزمه لزوم الطوق في العنق لا ينفك عنه بحال .
قال أحد المفسرين: وطائر كل إنسان ما يطير له من عمله ،أي ما يقسم له من العمل وهو كناية عما يعمله ،وإلزامه له في عنقه تصوير للزومه إياه وعدم مفارقته على طريقة القرآن في تجسيم المعاني وإبرازها في صورة حسية ،فعمله لا يتخلف عنه وهو لا يملك التملص منه .
وقال أبو عبيدة: الطائر عند العرب: الحظ ،ويقال له: البخت ،فالطائر ما وقع للشخص في الأزل مما هو نصيبه من العقل والعلم والعمر والرزق والسعادة والشقاوة كأنه طائر يطير إليه من وكر الأزل وظلمات عالم الغيب{[361]} ه .
وإنما أضيف الطائر إلى العنق ولم يضف إلى اليد أو غيرها من أعضاء الجسم ؛لأن العنق هو موضع السمات الثابتة وموضع القلائد والأطوقة وغير ذلك مما يزين أو يشين .
وقال الفخر الرازي: إن قوله: في عنقه كناية عن اللزوم كما يقال: ( جعلت هذا في عنقك ) أي: قلدتك هذا العمل وألزمتك الاحتفاظ به ومنه يقال: ( فلان يقلد فلانا ) أي: يجعل ذلك الاعتقاد كالقلادة المربوطة على عنقه .
ونخرج له .أي: نظهر له ،يوم القيامة .أي البعث للجزاء على الأعمال ويقال له:{اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} .أي: شهيدا بما عملت .
قال القاشاني: كتابا ،هيكلا مصورا يصور أعماله ،يلقاه منشورا ؛لظهور تلك الهيئات فيه بالفعل مفصلة ،لا مطويا كما كان عند كونها فيه بالقوة .