المفردات:
الطور: الجبل المعروف .
بميثاقهم: بعهدهم .
ادخلوا الباب: المراد به باب المدينة التي أمروا بدخولها .
سجدا: خاضعين .
لا تعدوا في السبت: لا تظلموا فيه أنفسكم ،بصيد الحيتان التي حرم عليكم صيدها فيه .
ميثاقا غليظا: عهدا وثيقا مؤكدا .
التفسير:
154- وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا .
تشير الآية إلى جانب من عناد اليهود وقسوة قلوبهم ،فقد جاءهم موسى بألواح التوراة ،فاستثقلوا العمل بما جاء فيها من التكاليف ،ولم يأخذوها بعزم وقوة ،بل بتثاقل وتراخ وعدم اقتناع ،لأن قلوبهم لا تزال مشدودة إلى عبادة العجل ،فلذا رفع الله فوقهم الجبل تهديدا لهم ،ليقبلوا العمل بالتوراة ،ويأخذوها بقوة وعزم ويعطوا الميثاق والعهد على ذلك .
قال تعالى: وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( الأعراف: 171 ) .
وهكذا كان شأن اليهود: عصيان لما يؤمرون به وعقاب أو تهديدا بعقاب من الله ،حتى يستقيموا على الجادة .
والمعنى: ورفعنا فوقهم الطور بسبب ميثاقهم ليعطوه ويتعهدوا بالعمل بالتوراة .
قال ابن كثير: ( وذلك أنهم حين امتنعوا عن الالتزام بأحكام التوراة وظهر منهم إباء عما جاء به موسى- عليه السلام- رفع الله على رءوسهم جبلا ثم ألزموا فالتزموا ،وسجدوا ،وجعلوا ينظرون إلى ما فوق رءوسهم خشية أن يسقط عليهم ) .وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا .أي: وقلنا لهم على لسان أنبيائهم: ادخلوا باب القرية التي أمرناكم بدخولها ساجدين لله ،أي: ادخلوها متواضعين خاضعين لله ،شاكرين فضله وكرمه ،ولكنهم خالفوا ما امرهم الله به مخالفة تامة .
واختلف في هذا الباب الذي أمروا بدخوله سجدا ،فقيل: هو باب بيت المقدس .روى ابن المنذر وغيره عن قتادة: كنا نتحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس .
وقيل: باب إيلياء .
وقيل: باب أريحاء .
وقد أمروا أن يسألوه تعالى أن يحط عنهم ذنوبهم فيقولوا حطة .
قال تعالى في الآيتين 58-59 من سورة البقرة:
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ،فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ .
ولكن بني إسرائيل لما دخلوا منتصرين ،تنكروا لما أمرهم الله به من الخضوع والخشوع لله سبحانه .بل سخروا بالخشوع والاستغفار واستبدلوا بهما عملا ماجنا ،وقولا هازئا .
روى البخاري في تفسير سورة البقرة عن أبي هريرة أن النبي صلى قال:
"قبل لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجدا وقولوا: حطة ؛دخلوا يزحفون على أستاههم ،وقالوا: حنطة ؛حبة في شعرة "{[147]}
وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ .أي: وقلنا لهم كذلك لا تعتدوا في السبت ولا تتجاوزوا الحدود التي أمركم الله بالتزامها في يوم السبت ،والتي منها ألا تصطادوا في هذا اليوم ،ولكنهم خالفوا أمر الله وتحايلوا على استحلال محارمه .
وقد تحدث القرآن عن عدوان اليهود في السبت في كثير من آيات القرآن الكريم قال تعالى:
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ،فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ .( البقرة:65-66 ) .
وقال سبحانه: واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ( الأعراف: 163 ) .
وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا .أي: وأخذنا منهم عهدا مؤكدا كل التأكيد وموثقا كل التوثيق ،بأن يعملوا بما أمرهم الله به ،ويتركوا ما نهاهم عنه .
ويجوز أن يكون المراد بالميثاق الغليظ هنا ،هو ما أخذه الله منهم بعد رفع الجبل فوقهم كأنه ظلة .تهديدا لهم ؛فقد أعطوا موسى عليه السلام عهدا بالعمل بالتوراة ،ولكنهم نقضوا عهودهم .كما تجده في الآية الآتية .