المفردات:
فبما نقضهم ميثاقهم: أي: فبسبب نقضهم ومخالفتهم للعهد الوثيق المؤكد وما في قوله: فبما نقضهم: لتوكيد هذا النقص ،فإنها كثيرا ما توصل بالكلام لهذا الغرض كقوله تعالى: فبما رحمة من الله لنت لهم .أي: فبرحمة مؤكدة من الله كنت لينا معهم .
قلوبنا غلف: أي: مغلقة ومغطاة بأغشية تمنعها من قبول ما جاء به الرسول .وغلف: جمع أغلف .وهو: ما له غلاف .
طبع الله عليها بكفرهم: أي: تخلى عن هدايتها بسبب إصرارهم على الكفر
التفسير:
155- فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ ...أي: فنقض بنو إسرائيل الميثاق الغليظ الذي أخذناه عليهم ،فبسبب هذا النقض لعناهم وعاقبناهم ،كما لعناهم وعاقبناهم بسبب كفرهم بآيات الله الكونية العجيبة التي أجرها الله على يد موسى ، إذ عبدوا العجل بعدها ،وقالوا: أرنا الله جهرة .
وكذلك آيات التوراة فقد أخفوا ما جاء فيها من بشارات عن النبي صلى الله عليه وسلم ،أو أساءوا تأويلها ليبرروا كفرهم .
وكما لعناهم بذلك ،لعناهم بقتلهم أنبياءهم بغيا وحسدا دون شائبة من الحق كما فعلوا بيحيي وزكريا وشعيب وغيرهم- ولعناهم وعاقبناهم بقولهم:
قُلُوبُنَا غُلْفٌ .أي: مغطاة بأغطية من الصدود والرفض لدعوتك يا محمد ،فلن تصل إيها براهينك فلا تتعب نفسك معنا .
وقريب من هذا قوله تعالى حكاية عن المشركين:
وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ... ( فصلت:5 ) .
وقيل: إن قوله: غلف: مع غلاف- ككتب وكتاب وعليه يكون المعنى:
وقالوا قلوبنا غلف .أي: أوعية للعلم شأنها في ذلك شأن الكتب فلا حاجة بنا إلى علم جديد .
والتأويل الأول أقرب إلى سياق الآية فقد ورد الله عليهم بقوله: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً .
المعنى: ليست قلوبهم مغطاة بأغطية تحجب عنها إدراك الحق كما زعموا ،بل الحق: أن الله تعالى ختم عليها ،وطمس معالم الحق فيها بسبب كفرهم وأعمالهم القبيحة ،وإيثارهم الغي على سبيل الرشاد .
فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً .
أي: فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا ،ليس له وزن عند الله لفقدانه العناصر الضرورية لصحته ،ومن هذه العناصر: صدق اليقين ،ومحبة الله ،وإخلاص الوجه له ،وقريب من ذلك قوله تعالى:
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ...( الحجرات:14 ) .
قال الدكتور محمد سيد طنطاوي:
فقوله: إلا قليلا: نعت لمصدر محذوف أي: إلا إيمانا قليلا ،كإيمانهم بنبوة موسى عليه السلام ،وإنما كان إيمانهم هذا لا قيمة له عند الله ،لأن الإيمان ببعض الأنبياء والكفر ببعضهم ،يعتبره الإسلام كفروا بالكل كما سبق أن بينا في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ،أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ...( النساء:150-151 ) .
ومنهم من جعل قوله: إلا قليلا .صفة لزمان محذوف أي: فلا يؤمنون إلا زمانا قليلا .
ومنهم من جعل الاستثناء في قوله: إلا قليلا .من جماعة اليهود المدلول عليهم بالواو في قوله فلا يؤمنون .أي: فلا يؤمنون إلا عددا قليلا منهم: كعبد الله بن سلام وأشباهه .والجملة الكريمة وهي قوله: طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ .معترضة بين الجمل المتعاطفة ،وقد جيء بها للمسارعة إلى رد مزاعمهم الفاسدة وأقاويلهم الباطلة{[148]}