المفردات:
حجة: معذرة يعتذر بها .
التفسير:
165- رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ .
المقصود من هذه لآية بيان مهمة الرسل ،فهم يبشرون بالجنة من أطاع ،وينذرون بالنار من عصى .وقد خلق الله هذا الكون وأبدع نظامه حتى صار شاهدا للعاقل على وجود الله وتفرده وقدرته .
ومع ذلك فقد اقتضت رحمته بعباده أن يرسل الرسل ضمانا لهداية الله الناس ؛ لان العقل قد يعجز عن إذراك حقائق الأمور ونتائجها .
والرسل عليهم الصلاة والسلام: إنما جاءوا لينبهوا إلى النظر في عجائب الكون وما فيه من دلائل ويبينوها ،وهم الذين يبلغون رسالات ربهم إلى الناس ،ويبينون لهم أحكامه وشرائعه .
وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا .أي: وكان الله ولم يزل عزيزا .وهو القادر الغالب على كل شيء ،حكيما .أي: بالغ الحكمة في كل ما يدير من شئون الكون .
ومن ذلك تدبير أمر النبوة ،وتخصيص كل نبي بنوع من الوحي والإعجاز ،على النحو الذي اقتضت حكمته ،مراعاة للزمان والمكان الذي بعث فيه كل رسول .
تذييل:
جاء في رسالة التوحيد- للشيخ محمد عبده- كلام نفيس عن حاجة البشر إلى إرسال الرسل وعن وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام .حيث قال:
الرسل يرشدون العقل إلى معرفة الله وما يجب أن يعرف من صفاته ،ويبينون الحد الذي يجب أن يقف عنده في طلب ذلك العرفان ،على وجه لا يشق عليه الاطمئنان إليه ، ولا يرفع ثقته بما آتاه الله من القوة .
الرسل يبينون للناس ما اختلفت عليه عقولهم وشهواتهم ، وتنازعته مصالحهم ولذاتهم ،فيفضلون في تلك المخاصمات بأمر الله الصادع .ويؤدون بما يبلغون عنه ما تقوم به المصالح العامة ،ولا يفوت به المصالح الخاصة .
الرسل يضعون لهم بأمر الله حدودا عامة ،يسهل عليهم أن يردوا إليها أعمالهم ،كاحترام الدماء البشرية إلا بحق .مع بيان الحق الذي تهدر له ،وحظر تناول شيء مما كسبه الغير إلا بحق ،مع بيان الحق الذي يبيح تناوله ،واحترام الأعراض ،مع بيان ما يباح وما يحرم من الأبضاع
يحملونه على تحويل أهوائهم عن اللذائذ الفانية إلى طلب الرغائب السامية آخذين في ذلك كله بطرق من الترغيب والترهيب ،والإنذار والتبشير حسبما أمرهم الله- جل شأنه- .
يفصلون في جميع ذلك ما يؤهلهم لرضا الله عنهم وما يعرضهم لسخطه عليهم ،ثم يحيطون بيانهم بنبإ الدار الآخرة وما أعد الله فيها من الثواب وحسن العقبى ،لمن وقف عند حدوده وأخذ بأوامره ...
وبهذا تطمئن النفوس ،وتثلج الصدور ،ويعتصم المرزوء بالصبر ،انتظارا لجزيل الأجر أو إرضاء لمن بيده الأمر ،وبهذا ينحل أعظم مشكل في الاجتماع الإنساني ، لا يزال العقلاء يجتهدون أنفسهم في حله إلى اليوم{[157]} .