/م23
28-{وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} .
هنا رجل من آل فرعون قبطي أخفى إيمانه عن قومه ،وآمن بموسى سرّا ،وكان ذلك من أسباب استماع فرعون إلى نصيحته ،والكفّ عن قتل موسى ،قال لهم: كيف تجرؤون على قتل رجل ،وإزهاق روح إنسان كل تهمته أنه يقول: ربّي الله ،أي الإله الذي خلق الناس جميعا ،وهو حرٌّ في اعتقاده كما أنكم أحرار صادقا في قوله ،وأنه رسول من عند الله ،يصبكم بعض الذي يعدكم به من الهلاك في الدنيا ،والعذاب في الآخرة ،وقد تلطف في القول معهم ،وسلك مسلك الملاينة ،وقدّم احتمال كذب موسى استدراجا لهم ،واستجلابا لاستماعهم .
وقد روى البخاري أن عقبة بن أبي معيط خنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد خنقا شديدا ،فأقبل أبو بكر فدفع عقبه بن أبي معيط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ،وقد جاءكم بالبينات من ربكم{[620]} .
وقال الإمام علي: أشجع الناس أبو بكر ،لقد دافع عن رسول الله مثل دفاع مؤمن آل فرعون ،بيد أن مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه ،فأثنى الله عليه في كتابه ،وأبو بكر أعلن إيمانه ،وبذل ماله ودمه في سبيل الله
{إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} .
أي: لو كان موسى مسرفا كذابا ،ما هداه الله إلى إعلان رسالته ،وتأييده بالمعجزات ،وإعطائه السلطان المبين ،ولو كان كذابا لخذله الله وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله .
وفي هذه الفقرة تعريض بفرعون وملئه ،فإن إسرافهم في القتل وكذبهم على الله ،أو تكذيبهم لرسله ،يُعرِّضهم لعدم هداية الله لهم إلى السبيل الصواب ومنهاج النجاة .