/م20
المفردات:
تأسوا: تحزنوا .
ما فاتكم: من نعيم الدنيا .
ما آتاكم: ما أعطاكم .
المختال: المتكبر بسبب فضيلة تراءت له في نفسه .
فخور: كثير الفخر بالأشياء العارضة كالمال والجاه .
التفسير:
23-{لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} .
لقد أبدع الله القضاء والقدر ،وكتب على كل نفس عمرها وأجلها وحظها ،وفقرها أو غناها ،وشقاءها أو سعادتها ،حتى لا يحزن إنسان على مفقود حزنا يخرجه عن الاعتدال والتماسك ،لأن أجلها قد خُطّ في الأزل ،فإذا انتقلت نفس إلى الموت أو الهلاك فإنما تُحقق ما كتب عليها في الأزل .
{وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ ...}
أي: لا تفرحوا فرحا مطغيا يخرجكم عن حدّ الاعتدال ،ويخرجكم عن الشكر لله صاحب النعمة ،إلى البطر والاختيال والتباهي بما حدث ،كأنه من صنع الإنسان .
ونلاحظ أن الحزن على المفقود فطرة إنسانية ،والفرح بالنعمة فطرة إنسانية ،فكيف ينهى الله عن الحزن على المفقود ،أو الفرح بالموجود ؟
والجواب: إنما نهى الله عن الحزن الذي يجرّ إلى الجزع والقنوط والهلع ،وينسي الإنسان القضاء والقدر ،وأن كل نفس قد كتب عليها ما يصيبها ،وهي لا تزال حملا في بطن أمّها ،وقد خُطّ في القدر كل شيء يصيبها ،وكذلك الفرح فطرة في النفس ،تحتاج إلى اليقين بأن الله هو المعطي والمتفضل والمانح لهذه النعمة ،لكن بعض الناس يختال ويفتخر ،ويتطاول على عباد الله بأنعم الله ،ويجره ذلك إلى الطغيان ويُلْهيه عن الشكر .
قال عكرمة: ليس أحد إلا وهو يحزن أو يفرح ،ولكن اجعلوا الفرح شكرا ،والحزن صبرا .
ولا يصح النهي عن شيء من طبائع البشر ،كالفرح والحزن والغضب ،وإنما النهي وارد على مقدمات الغضب ،وتعاطي أسبابه ،وقد أمر الإنسان عند الغضب أن يتذكر هوان الدنيا ،وأن متاعها قليل ،وأنها إلى فناء حتى يهدأ غضبه ،وكذلك عند الحزن يتذكر القضاء والقدر ،وثواب الصبر على المصيبة ،وأجر الصابرين الراضين المؤمنين ،الذين يفوضون إلى الله الأمور ،وكذلك عند الفرح والسرور يذكر المؤمن فضل الله عليه ،فيزداد شكرا وعرفانا وتواضعا ،ويقينا بأن مصدر النعمة هو الله تعالى .
وفي الحديث الصحيح:"عجبا لأمر المؤمن ،إن أمره كله خير ،إن أصابته نعماء شكر فكان خيرا له ،وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ،وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن "23
فالمؤمن الحق هو نور الله في الأرض ،والمؤمن متجانس مع هذا الكون ،والمؤمن خليفة الله حقا في أرضه ،وهو قدر من أقدار الله ،وهو راض عن الله ،وهو شاكر على النعماء ،صابر على البأساء ،راض بالقضاء والقدر ،خيره وشره ،حلوه ومره .
وغير المؤمن تخرجه المصيبة عن اتزانه وتماسكه ،وربّما جره ذلك إلى المرض أو الانتحار أو الانكسار ،وغير المؤمن ينظر إلى النعمة على أنها من كدّه وعلمه وخصوصيته ،وربما نسي الشكر ،وربما نسي أن الفضل لله ،وهو صاحب الفضل الكبير .