المفردات:
دابة: الدابة ؛ما يدب على الأرض ،أي يمشي على هيئته .
أمم: جمع أمة بمعنى ؛جماعة .
التفسير:
38- وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ...الآية .
لفت القرآن نظر المخاطبين في هذه الآية إلى بديع خلق الله وجميل صنعه .
فكل ما يدب على وجه الأرض من حيوان وحشرات وهوام وزواحف وفقاريات .
وكل ما يطير بجناحيه في الهواء – وهذا يشمل كل طائر من طير أو حشرة أو غير ذلك من الكائنات الطائرة – ما من خلق حي في الأرض كلها إلا وهو ينتظم في أمة ذات خصائص واحدة ،وذات طريقة في الحياة واحدة كذلك ،شأنها في ذلك شأن أمة الناس .
والمقصود من قوله: إلا أمم أمثالكم .بيان أن حيوانات الأرض والبحر ،وطيور الجو ،إنما هي جماعات وطوائف لها مثل ما لنا من الخصائص في الجملة .
فالنمل مثلا أمة أرضية لها تدبيرها في السعي على رزقها ،وجمعه في أحجارها ،استعدادا لفصل الشتاء ،لتقتات به وهي مختبأة فيها طول الفصل .كما أن لها أميرة منها توجهها ،وتنظم مصالها ،ولها لغة تتفاهم بها .
كما يدل على ذلك قوله تعالى: حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون .( النمل: 18 ) .
وقد فهم سليمان عليه السلام لغتها قال تعالى: فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين .( النمل: 19 ) .
كما فهم سليمان صوت الهدهد ،وتبين أن للهدهد رسالة فاضلة حيث اكتشف وجود مملكة سبأ وحمله سليمان رسالة إلى بلقيس ،وتمت القصة بإسلام بلقيس ودخولها في طاعة الله رب العالمين ،وكذلك للنحل لغة ومملكة ورئيسة يطلق عليها لغة"اليعسوب "وهذه الأميرة توجه أمتها من النحر وتدبر أمرها ،ولها نظام في السعي على الرزق وبناء بيوت هندسية دقيقة تجمع فيها العسل ،وتحتضن البيض إلى غير ذلك من شئونها المختلفة .
قال تعالى: وأوحى إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلي من كل الثمرات ...الآية .
( النحل: 68: 69 ) .
وهكذا شأن سائر الحيوانات الأرضية والبحرية والطيور الجوية ،فالآية فتحت آفاقا من العلم عن أمم أخرى: لها خصائص تقرب من خصائصنا ،ظلت مجهولة حتى عرفها الباحثون أخيرا عن طريقة التجربة .
ما فرطنا في الكتاب من شيء .
ما فرطنا .ما ضيعنا أو ما أهملنا .
الكتاب .اللوح المحفوظ ،أو كتاب الكون ،أو القرآن الكريم .
والمعنى:
1- لقد أثبتنا في اللوح المحفوظ ما كان وما يكون يوم القيامة .
2- أو أن هذا الكون منظم بديع قد أتقن الله صنعه ويسر لجميع المخلوقات أرزاقها وحياتها ومعايشها .كما يسر الكون بما فيه من سماء وفضاء وأرض وأفلاك وأملاك .
3- أو ما تركنا في القرآن شيئا من الأشياء الهامة في الدنيا والدين ،ومن جملتها بيان أنه تعالى مراع لصالح جميع مخلوقاته على ما ينبغي .
قال الأستاذ سيد قطب في ظلال القرآن:
إن هذه الآية القصيرة ،لتهز القلب بما ترسم من آفاق الإشراف الشامل أو التدبير الواسع ،والعلم المحيط والقدرة القادرة لله ذي الجلال .
ثم إلى ربهم يحشرون .تحشر جميع الأمم من أول آدم إلى يوم القيامة وتقف أمام الله للحساب والجزاء .
وقيل المراد من الحشر المذكور حشر الكفار والمراد بالحشر لازمه وهو الحساب والجزاء .
وقيل المراد من الحشر حشر دواب الأرض وطيور الجو كما يحشر الناس ،فينصف الله بعضهم من بعض روى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
( لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة ،حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ) ( 80 ) .
والشاة الجلحاء: التي ليس لها قرن .
وهذه الحيوانات وإن كان القلم لا يجري عليها في الأحكام ولكنها تؤاخذ فيما بينها .
والحديث مقصود منه التمثيل على جهة تعظيم أمر الحساب والقصاص والاعتناء فيه حتى يفهم منه ،أنه لا بد لكل أحد منه .
وقد صحح هذا الوجه الإمام القرطبي في تفسيره للآية .
وقال الزمخشري في تفسير الكشاف:
فإن قلت ما الغرض من ذكر هذه الآية ،قلت الدلالة على عظم قدرة الله وسعة سلطانه ،وتدبير الخلائق المتفاوتة الأجناس ،المتكاثرة الأصناف وهو حافظ لما لها ،وما عليها ،مهيمن على أحوالها ،لا يشغله شأن عن شأن وأن المكلفين ليسوا مخصوصين بذلك دون من عداهم من سائر الأمم ...
وفي ختام الآية .ثم إلى ربهم يحشرون ...ويرى بعض العلماء أن المراد بحشر البهائم موتها ،ويرى آخرون أن المراد بعثها يوم القيامة لقوله تعالى وإذا الوحوش حشرت .