التفسير:
ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين .
أي: وقلنا: يا آدم ،اسكن في الجنة سكنا أصليا ،وتسكن زوجتك معك سكنا تبعيا .
ولكما أن تأكلا أكلا هنيئا ،من جميع أشجار الجنة وثمارها .
إلا شجرة واحدة حددها الله وعينها ،ونهاهما عن الاقتراب منها بالأكل ،وبين أن الأكل منها ظلم وعدوان .
ويتعلق بتفسير هذه الآية أمور منها ما يأتي:
الجنة: هي كل بستان ذي شجر متكاثف ملتف الأغصان ،يظلل ما تحته ويستره .
ومن هذه المادة الجن ؛لأنه مستور لا يرى ،والمجن ؛لأنه يستر المحارب ،والجنين ؛لأنه مستور عن العين ؛والمجنون لأن عقله مستور محجوب ،وجن الظلام: ستر ما تحته .
2- جمهور أهل السنة على أن المراد بالجنة هنا: دار الثواب ،التي أعدها الله للمؤمنين يوم القيامة ؛لأن هذا هو المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق .
3- جمهور أهل السنة على ان المراد بالجنة هنا: بستان بمكان مرتفع من الأرض ،خلقه الله لإسكان آدم وزوجته .
ذهب أبو حنيفة وأبو منصور الماتريدي في التأويلات إلى أن الأحوط والأسلم الكف عن تعيين المراد بالجنة وعن القطع به ،إذ ليس لهذه المسألة تأثير في العقيدة فيكفي أن يعلم المسلم أن الله أسكن آدم الجنة سواء أكان المراد بالجنة جنة الآخرة ،أم بستانا في هذه الدنيا .
قال تعالى: ولا تقربا هذه الشجرة والقرب: الدنو والاقتراب من الشجرة ،والمنهى عنه هو الأكل من ثمار الشجرة والنهي عن القرب هنا قصد منه المبالغة في النهي عن الأكل ؛إذ في النهي عن القرب من الشيء نهى عن فعله من باب أولى ،ونلمح أن القرآن عندما تحدث عن أشياء محرمة ،ذكر ذلك بصيغة التحريم مثل: حرمت عليكم الميتة والدم ...( المائدة: 3 ) .أو بالنهي عنها مثل: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ....( الإسراء: 33 ) .
لكن عندما يكون المنهي عنه مرغوبا للنفس ،تدفع إليه الشهوة والرغبة ؛فإنه ينهى عن الاقتراب منه مثل: ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا .( الإسراء: 32 ) .
ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ...( الإسراء: 34 ) .
يا أيها الذين آمونا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ....( النساء: 43 ) .
وكقوله تعالى في هذه الآية ولا تقربا هذه الشجرة ........لأن في هذه الأمور رغبة نفسية أو جسدية ،فنهى القرآن عن الاقتراب منها فضلا عن فعلها ،بخلاف القتل مثلا تدفع إليه شهوة أو رغبة فقال سبحانه:
ولا تقتلوا النفس ...وكذلك أكل الميتة قال سبحانه: حرمت عليكم الميتة ...