أما البرق الشديد الوهج فهو يكاد يخطف أبصارهم من شدته ،وكّلما أضاء لهم مشوا في ضوئه خطوات ،ثم يزول .وإذا ذاك يشتد الظلام فيقفون متحيرين ضالين .
وهذه صورة ناطقة لحال المنافقين ،تلوح لهم الدلائل والآيات فتبهرهم أضواؤها ،فيهمّون أن يهتدوا ،لكنهم إذا خلَوا إلى شياطينهم من اليهود عادوا إلى الكفر والنفاق .ولو أراد الله لأذهب أسماعهم وأبصارهم من غير إرعاد ولا برق ،فهو واسع القدرة لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ،لكنه جاء بالصورة المذكورة تقريباً لغير المحسوس بالمحسوس ،ومن باب ضربِ المثل .
إنه مشهد عجيب ،حافل بالحركة ،مشوب بالاضطراب ،فيه تيه وضلال ،وفيه هول ورعب ،وفيه فزع وحيرة ..والحقّ أن الحركة التي تعمر المشهد كلَّه لَتصوّر موقف الاضطراب والقلق والأرجحة التي يعيش فيها أولئك المنافقون .فيا له من مشهدٍ حيّ يرمز لحالة نفسية ،ويجسّم صورة شعورية .وهو طرف من طريقة القرآن العجيبة في تجسيم أحوال النفوس كأنها مشهد محسوس .