{الذين تبوَّؤا الدار}: هم الأنصار الذين سكنوا المدينة .
{ولا يجدون في صدورهم حاجة}: الحاجة هنا: الحسد والغيظ .
{مما أوتوا}: مما أُعطي المهاجرون من الفيء .
{ويؤثِرون}: ويقدمون غيرهم على أنفسهم ،ولو كان بهم خَصاصة: ولو كانوا فقراء .
{ومن يوقَ شح نفسه}: ومن يحفظ نفسه من البخل والحرص على المال .المفلحون: الفائزون .
ثم مدح اللهُ تعالى الأنصار وأثنى عليهم ثناء عاطرا حين طابت أنفسهم عن الفيء ،ورضوا أن يكون للمهاجرين من إخوانهم ،وقال: إنهم مخلصون في إيمانهم ،ذوو صفات كريمة ،وشيم جليلة ،تدلّ على كرم النفوس ،ونبل الطباع .
( 1 ) فهم يحبّون المهاجرين ،وقد أسكنوهم معهم في دورهم ،وآخَوهم ،وبعضهم نزل لأخيه من المهاجرين عن بعض ماله .
روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال المهاجرون:
« يا رسول الله ما رأينا مثلَ قوم قِدمنا عليهم: حُسْنَ مواساةٍ في قليل ،وحسنَ بذل في كثير !لقد كفونا المئونة ،وأشركونا في المهيّأ ،حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله ،قال: لا ،ما أثنيتم عليهم ودعوتم لهم» .
والمهيأ: كل ما يريح الإنسان من مكان أو طعام .فعلّمهم الرسول الكريم أن يثنوا على إخوانهم الأنصار ويدعوا لهم مقابل ما أكرموهم به .
( 2 ) وهم لا يحسّون في أنفسهم شيئا مما أوتي المهاجرون من الفيء وغيره .
( 3 ) ويؤثرون إخوانهم المهاجرين على أنفسهم ويقدّمونهم ،ولو كان بهم حاجة ،وهذا منتهى الكرم والإيثار ،وغاية التضحية .ولذلك ورد في بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم ارحم الأنصارَ وأبناء الأنصار .
ثم بين الله تعالى أن الذي ينجو من البخل يفوز برضا الله ويكون من المفلحين فقال:{وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون} .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اتقوا الشحّ ،فإن الشح قد أهلكَ من كان قَبلكم ،حَملَهم على أن سفكوا دماءهم ،واستحلّوا محارمهم» رواه الإمام أحمد والبخاري في: الأدب المفرد ،والبيهقي .
وقال الرسول الكريم: « لا يجتمعُ الإيمانُ والشحُّ في قلبٍ عبدٍ أبداً» رواه الترمذي وأبو يعلى عن أنس بن مالك رضي الله عنه .
وليس المراد من تقوى الشح الجودَ بكل ما يملك ،وإنما أن يؤديَ الزكاة ،ويَقري الضيف ويعطي ما يستطيع كما روي عن الرسول الكريم أنه قال: « بَرِئَ من الشحّ من أدى الزكاةَ وقَرَا الضيف ،وأعطى في النائبة» .