وقد بين الله سبحانه أدب الاجتماع مع الرسول في الأمر الجامع ، فقال عز من قائل:
{ لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 63 )} .
هذه الآية لبيان الحال الذي يجتمع فيه المؤمنون في{ أمر جامع} ، وصفه الزمخشري بقوله "أنه خطب جليل لا بد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه من ذوي رأي وقوة يظاهرونه عليه ، ويعاونونه ، ويستضيء بآرائهم ومعارفهم ، وتجاربهم في كفايته"{[1577]} .
وإنه في هذا الاجتماع يجب أن تلاحظ مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يخاطب كما يخاطب أي شخص ، والدعاء:النداء ، وهو من إضافة المصدر إلى مفعوله ، أي لا تنادوا الرسول كما ينادي بعضكم بعضا ، واعرفوا حق الاجتماع من أدب القول ، واجتماع القلوب ، فلا ينفر أحدكم ، ولا يتجانف ، واعرفوا حق الاجتماع .
ثم قال تعالى:{ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا} "قد". للتحقيق ، و"قد"لا تستعمل في القرآن إلا للتحقيق ، ولا تستعمل للتقليل ولا للتكثير ، وخصوصا بالنسبة لعلم الله تعالى ، ( يتسللون ) ، معناها يخرجون متدرجين في الخروج واحدا بعد آخر ، فهم يخرجون قليلا{ لواذا} ، أي يلوذ بعضهم ببعض ، حتى يتكاثر جمعهم ، وأولئك هم المنافقون الذين يشق عليهم اجتماع المؤمنين ، ويشتد غيظهم ، كلما رأوهم يتبادلون الأمر فيما بينهم ، ولذلك كان أشق الأيام عليهم يوم الجمعة ، إذ يجتمع المؤمنون في المسجد يتشاورون في أمورهم الحاضرة والقابلة .
ثم قال تعالى:{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} الفاء للإفصاح ، وهي تومئ إلى شرط مقدر ، واللام للأمر ، والأمر بالحذر يوجب العمل على الوقاية من شر المخالفة ، والضمير في{ أمره} يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى ليحذر الذين يخالفون رسول الله صلى الله عليه وسلم صادين عن أمره{ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . الفتنة هي اضطراب وانحلال الجماعة وتفرقها ، والعذاب الأليم هو عذاب يوم القيامة ، فمخالفة الرسول في الأمر الجامع تؤدي إما إلى فتنة مردية ، ولا يكون ذلك في حياة الرسول ، بل يحتمل أن يكون في الأئمة من بعده كما كانت الفتنة في عهد الإمام عثمان ، والإمام علي رضي الله عنهما ، وانفلت الأمر إلى معاوية فكان ملكا عضوضا .
والعذاب الأليم للمنافقين الذين يفرقون في الجماعة ، ويشيعون عدم الثقة والفساد ، يستقبلهم يوم القيامة كما يستقبل كل الكفار ، مع ملاحظة أن النفاق ذاته عذاب لذوي النفوس المدركة ، لأن المنافق يكون مضطربا دائما بين ما يخفيه وما يظهره ، وما يناله ، ولقد قال صلى الله عليه وسلم في بيان حال المنافق:( مثل المنافق كمثل الشاة الحائرة بين غنمين لا تدري إلى أيهما تذهب ) وهذا عذاب نفسي أليم .