قال الضحاك ، عن ابن عباس:كانوا يقولون:يا محمد ، يا أبا القاسم ، فنهاهم الله عز وجل ، عن ذلك ، إعظاما لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه قال:فقالوا:يا رسول الله ، يا نبي الله . وهكذا قال مجاهد ، وسعيد بن جبير .
وقال قتادة:أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يبجل وأن يعظم وأن يسود .
وقال مقاتل [ بن حيان] في قوله:( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) يقول:لا تسموه إذا دعوتموه:يا محمد ، ولا تقولوا:يا بن عبد الله ، ولكن شرفوه فقولوا:يا نبي الله ، يا رسول الله .
وقال مالك ، عن زيد بن أسلم في قوله:( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) قال:أمرهم الله أن يشرفوه .
هذا قول . وهو الظاهر من السياق ، كما قال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا ) [ البقرة:104] ، وقال ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ) إلى قوله:( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ) [ الحجرات:2 - 5]
فهذا كله من باب الأدب [ في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم والكلام معه وعنده كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته]
والقول الثاني في ذلك أن المعنى في:( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) أي:لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره ، فإن دعاءه مستجاب ، فاحذروا أن يدعو عليكم فتهلكوا . حكاه ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، والحسن البصري ، وعطية العوفي ، والله أعلم .
وقوله:( قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ) قال مقاتل بن حيان:هم المنافقون ، كان يثقل عليهم الحديث في يوم الجمعة - ويعني بالحديث الخطبة - فيلوذون ببعض الصحابة - أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم - حتى يخرجوا من المسجد ، وكان لا يصلح للرجل أن يخرج من المسجد إلا بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة ، بعدما يأخذ في الخطبة ، وكان إذا أراد أحدهم الخروج أشار بإصبعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيأذن له من غير أن يتكلم الرجل; لأن الرجل منهم كان إذا تكلم والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب ، بطلت جمعته .
قال السدي كانوا إذا كانوا معه في جماعة ، لاذ بعضهم ببعض ، حتى يتغيبوا عنه ، فلا يراهم .
وقال قتادة في قوله:( قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ) ، يعني:لواذا [ عن نبي الله وعن كتابه .
وقال سفيان:( قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ) قال:من الصف . وقال مجاهد في الآية:( قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا )] قال:خلافا .
وقوله:( فليحذر الذين يخالفون عن أمره ) أي:عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته [ وسنته] وشريعته ، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله ، فما وافق ذلك قبل ، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله ، كائنا ما كان ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ".
أي:فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطنا أو ظاهرا ( أن تصيبهم فتنة ) أي:في قلوبهم ، من كفر أو نفاق أو بدعة ، ( أو يصيبهم عذاب أليم ) أي:في الدنيا ، بقتل ، أو حد ، أو حبس ، أو نحو ذلك .
قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه قال:هذا ما حدثنا أبو هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حولها . جعل الفراش وهذه الدواب اللاتي [ يقعن في النار] يقعن فيها ، وجعل يحجزهن ويغلبنه ويتقحمن فيها ". قال:"فذلك مثلي ومثلكم ، أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار ، فتغلبوني وتقتحمون فيها ". أخرجاه من حديث عبد الرزاق