قوله تعالى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} .
قال ابن كثير: أي في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام ،ولكن لا يجوز الخلوة بهنّ ،ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع ،اه .محل الغرض منه .وما ذكر من أن المراد بكون أزواجه صلى الله عليه وسلم أُمّهات المؤمنين هو حرمتهن عليهم ،كحرمة الأُم ،واحترامهم لهن ،كاحترام الأُم إلخ .واضح لا إشكال فيه .ويدلّ له قوله تعالى:{وإذا سألتموهنّ متاعا فاسألوهنّ من وراء حجاب} [ الأحزاب: 53] ؛لأن الإنسان لا يسأل أُمّه الحقيقية من وراء حجاب .وقوله تعالى:{إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ} [ المجادلة: 2] ،ومعلوم أنهن رضي اللَّه عنهن ،لم يلدن جميع المؤمنين الذين هن أمهاتهم ،ويفهم من قوله تعالى:{وَأَزْواجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} ،أنه هو صلى الله عليه وسلم أب لهم .وقد روي عن أُبيّ بن كعب ،وابن عباس ،أنّهما قرءا:{وَأَزْواجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وهو أب لهم ،وهذه الأبوّة أبوّة دينية ،وهو صلى الله عليه وسلم أرأف بأُمّته من الوالد الشفيق بأولاده ،وقد قال جلَّ وعلا في رأفته ورحمته بهم:{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ} [ التوبة: 128] ،وليست الأبوّة أبوّة نسب ؛كما بيّنه تعالى بقوله:{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ} [ الأحزاب: 40] ،ويدلّ لذلك أيضًا حديث أبي هريرة عند أبي داود والنسائي وابن ماجه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ،فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطب بيمينه » ،وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة ،فقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد » ،يبيّن معنى أبوّته المذكورة ،كما لا يخفى .
مسألة
اعلم أن أهل العلم اختلفوا هل يقال لبنات أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم أخوات المؤمنين ،أو لا ؟وهل يقال لإخوانهن كمعاوية ،وعبد اللَّه بن أبي أُميّة أخوال المؤمنين أو لا ؟وهل يقال لهنّ: أُمّهات المؤمنات ؟قال ابن كثير رحمه اللَّه في تفسير هذه الآية: ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن ،وأخواتهن بالإجماع ،وإن سمّى بعض العلماء بناتهن أخوات المسلمين ،كما هو منصوص الشافعي رضي اللَّه عنه في المختصر ،وهو من باب إطلاق العبارة لا إثبات الحكم ،وهل يقال لمعاوية وأمثاله خال المؤمنين ؟فيه قولان للعلماء رضي اللَّه عنهم .ونصّ الشافعي رضي اللَّه عنه ،على أنه لا يقال ذلك .وهل يقال لهن: أُمّهات المؤمنات ؟فيدخل النساء في الجمع المذكر السالم تغليبًا ،فيه قولان: صحّ عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت: لا يقال ذلك ،وهذا أصحّ الوجهين في مذهب الشافعي رضي اللَّه عنه ،انتهى محل الغرض من كلام ابن كثير .
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له: الأظهر عندي في ذلك أنه لا يطلق منه إلا ما ورد النص بإطلاقه ؛لأن الإطلاق المراد به غير الظاهر المتبادر يحتاج إلى دليل صارف إليه ،والعلم عند اللَّه تعالى .
قوله تعالى:{وَأُوْلُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}[ 6] .
قد قدّمنا إيضاحه وكلام أهل العلم ،فيما يتعلق به من الأحكام في آخر «الأنفال » ،في الكلام على قوله تعالى:{وَأُوْلُواْ الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [ الأنفال: 75] .