قوله تعالى:{فَلَنَسْألَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْألَنَّ الْمُرْسَلِينَ} .
لم يبين هنا الشيء المسؤول عنه المرسلون ،ولا الشيء المسؤول عنه الذين أرسل إليهم .
وبين في مواضع أخر أنه يسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم ،ويسأل الأمم عما أجابوا به رسلهم .
قال في الأول:{يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ} [ المائدة: 109] .
وقال في الثاني:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [ القصص: 65] .
وبين في موضع آخر أنه يسأل جميع الخلق عما كانوا يعلمون ،وهو قوله تعالى:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [ الحجر: 92 -93] .
وهنا إشكال معروف: وهو أنه تعالى قال هنا:{فَلَنَسْألَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْألَنَّ الْمُرْسَلِينَ} ،وقال أيضاً:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ،وقال:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ} [ الصافات: 24] ،وهذا صريح في إثبات سؤال الجميع يوم القيامة ،مع أنه قال:{وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [ القصص: 78] ،وقال:{فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْألُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} [ الرحمان: 39] .
وقد بينا وجه الجمع بين الآيات المذكورة في كتابنا [ دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب] وسنزيده إيضاحاً هنا إن شاء الله تعالى .
اعلم أولاً: أن السؤال المنفي في الآيات المذكورة .أخص من السؤال المثبت فيها ؛لأن السؤال المنفي فيها مقيد بكونه سؤالاً عن ذنوب خاصة .فإنه قال:{وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} فخصه بكونه عن الذنوب ،وقال:{فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْألُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} فخصه بذلك أيضاً .فيتضح من ذلك أن سؤال الرسل والمؤودة مثلاً ليس عن ذنب فعلوه فلا مانع من وقوعه .لأن المنفي خصوص السؤال عن ذنب ،ويزيد ذلك إيضاحاً قوله تعالى:{لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ} [ الأحزاب: 8] الآية ،وقوله بعد سؤاله لعيسى المذكور في قوله:{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَءَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ} [ المائدة: 116] الآية .{قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [ المائدة: 119] الآية ،والسؤال عن الذنوب المنفي في الآيات: المراد به سؤال الاستخبار والاستعلام .لأنه جل وعلا محيط علمه بكل شيء ،ولا ينافي نفي هذا النوع من السؤال ثبوت نوع آخر منه هو سؤال التوبيخ والتقريع .لأنه نوع من أنواع العذاب ،ويدل لهذا أن سؤال الله للكفار في القرآن كله توبيخ وتقريع كقوله:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ} [ الصافات: 24 -25] .وقوله:{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} [ الطور: 15] .إلى غير ذلك من الآيات وباقي أوجه الجمع مبين في كتابنا المذكوروالعلم عند الله تعالى.