/م71
{ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ ومَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ} أي فأصروا على تكذيبه بعد أن أقام لهم الحجة بقوله وعمله على حقية دعوته ، وبراءته من كل خوف منهم إذا كذبوا ، وجاء فيهم إذا آمنوا ، فنجيناه هو ومن آمن معه في السفينة التي كان يصنعها بأمرنا لأجل ذلك .ولفظ الفلك هنا مفرد - وهو السفينة- كما عبر به في سورة العنكبوت ، وهو يطلق على الجمع أيضا كما قال:{ وترى الفلك مواخر فيه} [ النحل:14] ويفرق بينهما بالقرائن ، إن لم توصف بالجمع كالمواخر .
{ وجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ} يخلفون المكذبين في الأرض كلها على قلتهم .
{ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} بعد أن أنذرهم وأوعدهم العذاب أي وأغرقناهم لأنهم كذبوا بآياتنا .
{ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ} أي فانظر أيها الرسول بعين بصيرتك وعقلك كيف كانت عاقبة القوم الذين أنذرهم رسولهم وقوع عذاب الله عليهم فأصروا على تكذيبه ، فكذا تكون عاقبة من يصرون على تكذيبك من قومك ، وكذلك تكون عاقبة المؤمنين المتبعين لك .
قدم ذكر تنجية المؤمنين واستخلافهم على إغراق المكذبين وقطع دابرهم ؛ لأنه هو الأهم في سياق صدق الوعد والوعيد من وجهين:أولهما تقديم مصداق الوعد لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتسرية حزنه على قومه ومنهم ، وثانيهما كونه هو الأظهر في الحجة على أنهما -أي الوعد والوعيد- من الله تعالى القادر على إيقاعهما ، على خلاف ما يعتقد المشركون المكذبون المغرورون بكثرتهم وقلة أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلاف الأصل المعهود في المصائب العامة في العادة وهو أنها تصيب الصالح والطالح على سواء ، فلا تمييز فيها ولا استثناء ، ولكنه هو الذي جرت به سنة الله تعالى في مكذبي الرسل من بعد نوح فكان آية لهم ، فلولا أن الأمر بيد الله على وفق وعده ووعيده لما هلك الألوف الكثيرون ، ونجا أفراد قليلون لهم صفة خاصة أخرجهم منهم تصديقا لخبر رسولهم ، وما سيق هذا النبأ هنا إلا لتقرير هذا المعنى ، وغفل عنه الباحثون عن نكتة البلاغة في العدول عن الضمير إلى الاسم الموصول فقالوا:إنها تعجيل المسرة للمؤمنين ، والإيذان بأن الرحمة مقدمة على العذاب ، ولكن ما قلناه هو المقصود الأول لذاته الذي يقتضيه السياق والحمد لله ملهم الصواب .